شيء ما كان معلوم الوقوع، أما لو كان معلوم الوقوع لم يكن بشارة، ألا ترى أن الفقهاء قالوا: لو أن رجلا قال من يبشرني من عبيدي بقدوم ولدي فهو حر، فأول من أخبر بذلك الخبر يعتق، والذين يخبرون بعده لا يعتقون. وإذا كان الأمر كذلك فقوله: * (يبشرهم) * لا بد أن يكون إخبارا عن حصول مرتبة من مراتب السعادات ما عرفوها قبل ذلك، وجميع لذات الجنة وخيراتها وطيباتها قد عرفوه في الدنيا من القرآن، والإخبار عن حصول بشارة فلا بد وأن تكون هذه البشارة بشارة عن سعادات لا تصل العقول إلى وصفها البتة. رزقنا الله تعالى الوصول إليها بفضله وكرمه.
واعلم أنه تعالى لما قال: * (يبشرهم ربهم) * بين الشيء الذي به يبشرهم وهو أمور: أولها: قوله: * (برحمة منه) * وثانيها: قوله: * (ورضوان) * وأنا أظن والعلم عند الله أن المراد بهذين الأمرين ما ذكره في قوله: * (ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * (الفجر: 28) والرحمة كون العبد راضيا بقضاء الله وذلك لأن من حصلت له هذه الحالة كان نظره على المبلي والمنعم لا على النعمة والبلاء، ومن كان نظره على المبلي والمنعم لم يتغير حاله، لأن المبلي والمنعم منزه عن التغير.
فالحاصل أن حاله يجب أن يكون منزها عن التغير، أما من كان طالبا لمحض النفس كان أبدا في التغير من الفرح إلى الحزن، ومن السرور إلى الغم، ومن الصحة إلى الجراحة، ومن اللذة إلى الألم، فثبت أن الرحمة التامة لا تحصل إلا عند ما يصير العبد راضيا بقضاء الله فقوله: * (يبشرهم ربهم برحمة منه) * هو أنه يزيل عن قلبه الالتفات إلى غير هذه الحالة، ويجعله راضيا بقضائه. ثم إنه تعالى يصير راضيا. وهو قوله: * (ورضوان) * وعند هذا تصير هاتان الحالتان هما المذكورتان في قوله: * (راضية مرضية) * وهذه هي الجنة الروحانية النورانية العقلية القدسية الإلهية. ثم إنه تعالى بعد أن ذكر هذه الجنة العالية المقدسة ذكر الجنة الجسمانية، وهي قوله: * (وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا) * وقد سبق شرح هذه المراتب، ولما ذكر هذه الأحوال قال: * (إن الله عنده أجر عظيم) * والمقصود شرح تعظيم هذه الأحوال، ولنختم هذا الفصل ببيان أن أصحابنا يقولون إن الخلود يدل على طول المكث، ولا يدل على التأبيد، واحتجوا على قولهم في هذا الباب بهذه الآية، وهي قوله تعالى: * (خالدين فيها أبدا) * ولو كان الخلود يفيد التأبيد، لكان ذكر التأبيد بعد ذكر الخلود تكرارا وأنه لا يجوز.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا ءابآءكم وإخونكم أوليآء إن استحبوا الكفر على