رضوا بالكفر وكانوا ظالمين، لأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه. وأيضا ظلموا المسجد الحرام، فإنه تعالى خلقه ليكون موضعا لعبادة الله تعالى، فجعلوه موضعا لعبادة الأوثان، فكان هذا ظلما.
* (الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضون وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيهآ أبدا إن الله عنده أجر عظيم) *.
اعلم أنه تعالى ذكر ترجيح الإيمان والجهاد على السقاية وعمارة المسجد الحرام، على طريق الرمز ثم أتبعه بذكر هذا الترجيح على سبيل التصريح في هذه الآية، فقال: إن من كان موصوفا بهذه الصفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممن اتصف بالسقاية والعمارة. وتلك الصفات الأربعة هي هذه: فأولها الإيمان، وثانيها الهجرة، وثالثها الجهاد في سبيل الله بالمال. ورابعها الجهاد بالنفس، وإنما قلنا إن الموصوفين بهذه الصفات الأربعة في غاية الجلالة والرفعة لأن الإنسان ليس له إلا مجموع أمور ثلاثة: الروح، والبدن، والمال. أما الروح فلما زال عنه الكفر وحصل فيه الإيمان، فقد وصل إلى مراتب السعادات اللائقة بها. وأما البدن والمال فبسبب الهجرة وقعا في النقصان، وبسبب الاشتغال بالجهاد صارا معرضين للهلاك والبطلان. ولا شك أن النفس والمال محبوب الإنسان، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلا للفوز بمحبوب أكمل من الأول، فلولا أن طلب الرضوان أتم عندهم من النفس والمال، وإلا لما رجحوا جانب الآخرة على جانب النفس والمال ولما رضوا بإهدار النفس والمال لطلب مرضاة الله تعالى. فثبت أن عند حصول الصفات الأربعة صار الإنسان واصلا إلى آخر درجات البشرية وأول مراتب درجات