وليس كل موضع صح فيه فعل صح أفعل. ألا ترى أنه يجوز أن يقال كسره، ولا يجوز أن يقال أكسره، بل يجب فيه الرجوع إلى السماع.
والوجه الثالث: في تفسير الآية، وما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى، حتى يكون منهم الأمر الذي به يستحق العقاب.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: حاصل الآية أنه تعالى لا يؤاخذ أحدا إلا بعد أن يبين له كون ذلك الفعل قبيحا، ومنهيا عنه. وقرر ذلك بأنه عالم بكل المعلومات، وهو قوله: * (إن الله بكل شيء عليم) * وبأنه قادر على كل الممكنات، وهو قوله: * (له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) * فكان التقدير: أن من كان عالما قادرا هكذا، لم يكن محتاجا، والعالم القادر الغني لا يفعل القبيح والعقاب قبل البيان. وإزالة العذر قبيح، فوجب أن لا يفعله الله تعالى، فنظم الآية إنما يصح إذا فسرناها بهذا الوجه، وهذا يقتضي أنه يقبح من الله تعالى الابتداء بالعقاب وأنتم لا تقولون به.
والجواب: أن ما ذكرتموه يدل على أنه تعالى لا يعاقب إلا بعد التبيين، وإزالة العذر وإزاحة العلة، وليس فيها دلالة على أنه تعالى ليس له ذلك، فسقط ما ذكرتموه في هذا الباب.
ثم قال تعالى: * (له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت) * في ذكر هذا المعنى ههنا فوائد: إحداها: أنه تعالى لما أمر بالبراءة من الكفار بين أنه له ملك السماوات والأرض، فإذا كان هو ناصرا لكم، فهم لا يقدرون على إضراركم، وثانيها: أن القوم من المسلمين قالوا: لما أمرتنا بالانقطاع من الكفار، فحينئذ لا يمكننا أن نختلط بآبائنا وأولادنا وإخواننا لأنه ربما كان الكثير منهم كافرين، والمراد أنكم إن صرتم محرومين عن معاونتهم ومناصرتهم. فالإله الذي هو المالك للسموات والأرض والمحيي والمميت ناصركم، فلا يضركم أن ينقطعوا عنكم. وثالثها: أنه تعالى لما أمر بهذه التكاليف الشاقة كأنه قال وجب عليكم أن تنقادوا لحكمي وتكليفي لكوني إلهكم ولكونكم عبيدا لي.
* (لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) *.