منه ليكن أمرهم على الخوف والرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا، وآخرون يقولون عسى الله أن يغفر لهم.
المسألة الثانية: لا شك أن القوم كانوا نادمين على تأخرهم عن الغزو وتخلفهم عن الرسول عليه اسلام، ثم إنه تعالى لم يحكم بكونهم تائبين بل قال: * (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) * وذلك يدل على أن الندم وحده لا يكون كافيا في صحة التوبة.
فإن قيل: فما تلك الشرائط؟
قلنا: لعلهم خافوا من أمر الرسول بإيذائهم أو خافوا من الخجلة والفضيحة، وعلى هذا التقدير فتوبتهم غير صحيحة ولا مقبولة، فاستمر عدم قبول التوبة إلى أن سهل أحوال الخلق في قدحهم ومدحهم عندهم، فعند ذلك ندموا على المعصية لنفس كونها معصية، وعند ذلك صحت توبتهم.
المسألة الثالثة: احتج الجبائي بهذه الآية على أنه تعالى لا يعفو عن غير التائب، وذلك لأنه قال في حق هؤلاء المذنبين * (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) * وذلك يدل على أنه لا حكم إلا أحد هذين الأمرين، وهو إما التعذيب وإما التوبة، وأما العفو عن الذنب من غير التوبة، فهو قسم ثالث. فلما أهمل الله تعالى ذكره دل على أنه باطل وغير معتبر.
والجواب: أنا لا نقطع بحصول العفو عن جميع المذنبين، بل نقطع بحصول العفو في الجملة، وأما في حق كل واحد بعينه، فذلك مشكوك فيه. ألا ترى أنه تعالى قال: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * فقطع بغفران ما سوى الشرك، لكن لا في حق كل أحد، بل في حق من يشاء. فلم يلزم من عدم العفو في حق هؤلاء، عدم العفو على الإطلاق. وأيضا فعدم الذكر لا يدل على العدم، ألا ترى أنه تعالى قال: * (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة) * (عبس: 38، 39) وهم المؤمنون * (ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) * (عبس: 40، 41) فههنا المذكورون، إما المؤمنون، وإما الكافرون، ثم إن عدم ذكر القسم الثالث، لم يدل عند الجبائي على نفيه، فكذا ههنا.
وأما قوله تعالى: * (والله عليم حكيم) * أي * (عليم) * بما في قلوب هؤلاء المؤمنين * (حكيم) * فيما يحكم فيهم ويقضي عليهم.
قوله تعالى * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن