واعلم أن على هذا التقدير يكون قوله: * (عزيز عليه ما عنتم) * معناه: شديدة معزته عن وصول شيء من آفات الدنيا والآخرة إليكم، وبهذا التقدير لا يحصل التكرار. قال الفراء: الحريص الشحيح، ومعناه: أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار، وهذا بعيد، لأنه يوجب الخلو عن الفائدة.
والصفة الرابعة والخامسة: قوله: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * قال ابن عباس رضي الله عنهما: سماه الله تعالى باسمين من أسمائه. بقي ههنا سؤالان:
السؤال الأول: كيف يكون كذلك، وقد كلفهم في هذه السورة بأنواع من التكاليف الشاقة التي لا يقدر على تحملها إلا الموفق من عند الله تعالى؟
قلنا: قد ضربنا لهذا المعنى مثل الطبيب الحاذق والأب المشفق، والمعنى: أنه إنما فعل بهم ذلك ليتخلصوا من العقاب المؤبد، ويفوزوا بالثواب المؤبد.
السؤال الثاني: لما قال: * (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم) * فهذا النسق يوجب أن يقال: رؤوف رحيم بالمؤمنين، فلم ترك هذا النسق وقال: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) *.
الجواب: أن قوله: * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * يفيد الحصر بمعنى أنه لا رأفة ولا رحمة له إلا بالمؤمنين. فأما الكافرون فليس له عليهم رأفة ورحمة، وهذا كالمتمم لقدر ما ورد في هذه السورة من التغليظ كأنه يقول: إني وإن بالغت في هذه السورة في التغليظ إلا أن ذلك التغليط على الكافرين والمنافقين. وأما رحمتي ورأفتي فمخصوصة بالمؤمنين فقط، فلهذه الدقيقة عدل على ذلك النسق.
* (فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) *.
أما قوله: * (فإن تولوا) * يريد المشركين والمنافقين. ثم قيل: * (تولوا) * أي أعرضوا عنك. وقيل: تولوا عن طاعة الله تعالى وتصديق الرسول عليه الصلاة والسلام. وقيل: تولوا عن قبول التكاليف الشاقة المذكورة في هذه السورة، وقيل: تولوا عن نصرتك في الجهاد. واعلم أن