بهذا القدر في هذا الباب، فإنا قد ذكرنا أن هذا الفصل أجنبي عن هذا الكلام. والله أعلم.
المسألة السادسة: قوله: * (إن صلاتك سكن لهم) * قال الواحدي: السكن في اللغة ما سكنت إليه، والمعنى: أن صلاتك عليهم توجب سكون نفوسهم إليك، وللمفسرين عبارات: قال ابن عباس رضي الله عنهما: دعاؤك رحمة لهم. وقال قتادة: وقار لهم. وقال الكلبي: طمأنينة لهم، وقال الفراء: إذا استغفرت لهم سكنت نفوسهم إلى أن الله تعالى قبل توبتهم. وأقول: إن روح محمد عليه السلام كانت روحا قوية مشرقة صافية باهرة، فإذا دعا محمد لهم وذكرهم بالخير فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم، فأشرقت بهذا السبب أرواحهم وصفت أسرارهم، وانتقلوا من الظلمة إلى النور، ومن الجسمانية إلى الروحانية، وتقريره ما تقدم في المسألة الخامسة.
ثم قال: * (والله سميع) * لقولهم: * (عليم) * بنياتهم.
* (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) *.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن القوم الذين تقدم ذكرهم أنهم تابوا عن ذنوبهم وأنهم تصدقوا وهناك لم يذكر إلا قوله: * (عسى الله أن يتوب عليهم) * وما كان ذلك صريحا في قبول التوبة ذكر في هذه الآية أنه يقبل التوبة وأنه يأخذ الصدقات، والمقصود ترغيب من لم يتب في التوبة، وترغيب كل العصاة في الطاعة. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال أبو مسلم قوله: * (ألم يعلموا) * وإن كان بصيغة الاستفهام، إلا أن المقصود منه التقرير في النفس، ومن عادة العرب في إيهام المخاطب وإزالة الشك عنه أن يقولوا: أما علمت أن من علمك يجب عليك خدمته. أما علمت أن من أحسن إليك يجب عليك شكره، فبشر الله تعالى هؤلاء التائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم.
ثم زاده تأكيدا بقوله: * (وهو التواب الرحيم) *.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (ألم يعلموا) * بالياء والتاء، وفيه وجهان: الأول: أن يكون المراد من هذه الآية هؤلاء الذين تابوا يعني * (ألم يعلموا) * قبل أن يتاب عليهم