إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (ويأخذ الصدقات) * تشريف عظيم لهذه الطاعة، والأخبار فيه كثيرة عن النبي عليه السلام أنه قال: " إن الله يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا طيبا وأنه يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها كما يربى أحدكم مهره أو فصيله حتى أن اللقمة تكون عند الله أعظم من أحد " وقال عليه السلام: " والذي نفس محمد بيده ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة فتصل إلى الذي يتصدق بها عليه حتى تقع في كف الله، ولما روى الحسن هذين الخبرين قال: ويمين الله وكفه وقبضته لا توصف * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11) واعلم أن لفظ اليمين والكف من التقديس.
* (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن هذا الكلام جامع للترغيب والترهيب، وذلك لأن المعبود إذا كان لا يعلم أفعال العباد لم ينتفع العبد بفعله، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: * (لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * (مريم: 42) وقلت في بعض المجالس ليس المقصود من هذه الحجة التي ذكرها إبراهيم عليه السلام القدح في إلهية الصنم، لأن كل أحد يعلم بالضرورة أنه حجر وخشب وأنه معرض لتصرف المتصرفين، فمن شاء أحرقه، ومن شاء كسره، ومن كان كذلك كيف يتوهم العاقل كونه إلها؟ بل المقصود أن أكثر عبدة الأصنام كانوا في زمان إبراهيم عليه السلام أتباع الفلاسفة القائلين بأن إله العالم موجب بالذات، وليس بموجد بالمشيئة والاختيار، فقال: الموجب بالذات إذا لم يكن عالما بالخيرات ولم يكن قادرا على الإنفاع والإضرار، ولا يسمع دعاء المحتاجين ولا يرى تضرع المساكين، فأي فائدة في عبادته؟ فكان المقصود من دليل إبراهيم عليه السلام الطعن في قول من يقول: إله العالم موجب بالذات. أما إذا كان فاعلا مختارا وكان عالما بالجزئيات فحينئذ يحصل للعباد الفوائد العظيمة، وذلك لأن العبد إذا أطاع علم المعبود طاعته وقدر على إيصال الثواب إليه في الدنيا والآخرة، وإن عصاه علم المعبود ذلك، وقدر على إيصال العقاب إليه في الدنيا والآخرة، فقوله: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم) * ترغيب عظيم للمطيعين، وترهيب عظيم