ولما ذكر تعالى هذه الأمور الثلاثة قال: * (ذلك هو الفوز العظيم) * وفيه وجهان: الأول: أن الإنسان مخلوق من جوهرين، لطيف علوي روحاني، وكثيف سفلي جسماني وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية كانت الروح فائزة بالسعادات اللائقة بها، والجسد واصلا إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم. الثاني: أنه تعالى بين في وصفه المنافقين أنهم تشبهوا بالكفار الذين كانوا قبلهم في التنعم بالدنيا وطيباتها. ثم إنه تعالى بين في هذه الآية وصف ثواب المؤمنين، ثم قال: * (ذلك هو الفوز العظيم) * والمعنى: أن هذا هو الفوز العظيم، لاما يطلبه المنافقون والكفار من التنعم بطيبات الدنيا. وروي أنه تعالى يقول لأهل الجنة: " هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول أما أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا وأي شيء أفضل من ذلك. قال أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا "، واعلم أن دلالة هذا الحديث على أن السعادات الروحانية أفضل من الجسمانية كدلالة الآية وقد تقدم تقريره على الوجه الكامل.
* (يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) *.
واعلم أنا ذكرنا أنه تعالى لما وصف المنافقين بالصفات الخبيثة وتوعدهم بأنواع العقاب، وكانت عادة الله تعالى في هذا الكتاب الكريم جارية بذكر الوعد مع الوعيد، لا جرم ذكر عقيبه وصف المؤمنين بالصفات الشريفة الطاهرة الطيبة، ووعدهم بالثواب الرفيع والدرجات العالية، ثم عاد مرة أخرى إلى شرح أحوال الكفار والمنافقين في هذه الآية فقال: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) * وفي الآية سؤال، وهو أن الآية تدل على وجوب مجاهدة المنافقين وذلك غير جائز، فإن المنافق هو الذي يستر كفره وينكره بلسانه ومتى كان الأمر كذلك لم يجز محاربته ومجاهدته.
واعلم أن الناس ذكروا أقوالا بسبب هذا الإشكال.
فالقول الأول: أنه الجهاد مع الكفار وتغليظ القول مع المنافقين وهو قول الضحاك. وهذا بعيد لأن ظاهر قوله: * (جاهد الكفار والمنافقين) * يقتضي الأمر بجهادهما معا، وكذا ظاهر قوله: