موعظة) * ووجه من قرأ بالتأنيث أن الفعل مسند إلى مؤنث. قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (نفقاتهم) * و * (نفقتهم) * على الجمع والتوحيد. وقرأ السلمي * (أن يقبل منهم نفقاتهم) * على إسناد الفعل إلى الله عز وجل.
* (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) *.
اعلم أنه تعالى لما قطع في الآية الأولى رجاء المنافقين عن جميع منافع الآخرة، بين أن الأشياء التي يظنونها من باب المنافع في الدنيا، فإنه تعالى جعلها أسباب تعظيمهم في الدنيا، وأسباب اجتماع المحن والآفات عليهم، ومن تأمل في هذه الآيات عرف أنها مرتبة على أحسن الوجوه، فإنه تعالى لما بين قبائح أفعالهم وفضائح أعمالهم، بين مالهم في الآخرة من العذاب الشديد ومالهم في الدنيا من وجوه المحنة والبلية، ثم بين بعد ذلك أن ما يفعلونه من أعمال البر لا ينتفعون به يوم القيامة البتة. ثم بين في هذه الآية أن ما يظنون أنه من منافع الدنيا فهو في الحقيقة سبب لعذابهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم، وعند هذا يظهر أن النفاق جالب لجميع الآفات في الدين والدنيا، ومبطل لجميع الخيرات في الدين والدنيا، وإذا وقف الإنسان على هذا الترتيب عرف أنه لا يمكن ترتيب الكلام على وجه أحسن من هذا. ومن الله التوفيق. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الخطاب، وإن كان في الظاهر مختصا بالرسول عليه السلام، إلا أن المراد منه كل المؤمنين، أي لا ينبغي أن تعجبوا بأموال هؤلاء المنافقين والكافرين، ولا بأولادهم ولا بسائر نعم الله عليهم، ونظيره قوله تعالى: * (ولا تمدن عينيك) * (طه: 131) الآية.
المسألة الثانية: الإعجاب: السرور بالشيء مع نوع الافتخار به، ومع اعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه، وهذه الحالة تدل على استغراق النفس في ذلك الشيء وانقطاعها عن الله، فإنه لا يبعد في حكم الله أن يزيل ذلك الشيء عن ذلك الإنسان ويجعله لغيره، والإنسان متى كان متذكرا لهذا المعنى زال إعجابه بالشيء، ولذلك قال عليه السلام: " ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه " وكان عليه السلام يقول: " هلك المكثرون " وقال عليه السلام: " مالك من مالك