ثم قال تعالى: * (وعذب الذين كفروا) * وهذا هو الأمر الثالث الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، والمراد من هذا التعذيب قتلهم وأسرهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم. واحتج أصحابنا بهذا على أن فعل العبد خلق الله، لأن المراد من التعذيب ليس إلا الأخذ والأسر. وهو تعالى نسب تلك الأشياء إلى نفسه وقد بينا أن قوله: * (ثم أنزل الله سكينته على رسوله) * يدل على ذلك فصار مجموع هذين الكلامين دليلا بينا ثابتا، وفي هذه المسألة قالت المعتزلة: إنما نسب تعالى ذلك الفعل إلى نفسه لأنه حصل بأمره، وقد سبق جوابه غير مرة.
ثم قال: * (وذلك جزاء الكافرين) * والمراد أن ذلك التعذيب هو جزاء الكافرين، واعلم أن أهل الحقيقة تمسكوا في مسألة الجلد مع التعزيز بقوله: * (الزانية والزاني فاجلدوا) * قالوا الفاء تدل على كون الجلد جزاء، والجزاء اسم للكافي، وكون الجلد كافيا يمنع كون غيره مشروعا معه. فنقول: في الجواب عنه الجزاء ليس اسما للكافي، وذلك باعتبار أنه تعالى سمى هذا التعذيب جزاء، مع أن المسلمين أجمعوا على أن العقوبة الدائمة في القيامة مدخرة لهم، فدلت هذه الآية على أن الجزاء ليس اسما لما يقع به الكفاية.
ثم قال الله تعالى: * (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) * يعني أن مع كل ما جرى عليهم من الخذلان فإن الله تعالى قد يتوب عليهم. قال أصحابنا: إنه تعالى قد يتوب على بعضهم بأن يزيل عن قلبه الكفر ويخلق فيه الإسلام. قال القاضي: معناه فإنهم بعد أن جرى عليهم ما جرى، إذا أسلموا وتابوا فإن الله تعالى يقبل توبتهم، وهذا ضعيف لأن قوله تعالى: * (ثم يتوب الله) * ظاهره يدل على أن تلك التوبة إنما حصلت لهم من قبل الله تعالى وتمام الكلام في هذا المعنى مذكور في سورة البقرة في قوله: * (فتاب عليه) * ثم قال: * (والله غفور رحيم) * أي غفور لمن تاب، رحيم لمن آمن وعمل صالحا. والله أعلم.
* (يا أيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شآء إن الله عليم حكيم) *.