الآية إنما السبيل على من كان كذا وكذا، ثم الذين قالوا في الآية الأولى المراد * (ما على المحسنين من سبيل) * في أمر الغزو والجهاد، وأن نفي السبيل في تلك الآية مخصوص بهذا الحكم. قالوا: السبيل الذي نفاه عن المحسنين، هو الذي أثبته في هؤلاء المنافقين، وهو الذي يختص بالجهاد، والمعنى: أن هؤلاء الأغنياء الذين يستأذنونك في التخلف سبيل الله عليهم لازم، وتكليفه عليهم بالذهاب إلى الغزو متوجه، ولا عذر لهم البتة في التخلف.
فإن قيل: قوله: * (رضوا) * ما موقعه؟
قلنا: كأنه استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء. فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف * (وطبع الله على قلوبهم) * يعني أن السبب في نفرتهم عن الجهاد، هو أن الله طبع على قلوبهم، فلأجل ذلك الطبع لا يعلمون ما في الجهاد من منافع الدين والدنيا.
ثم قال: * (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم) * علة للمنع من الاعتذار لأن غرض المعتذر أن يصير عذره مقبولا. فإذا علم بأن القوم يكذبونه فيه، وجب عليه تركه. وقوله: * (قد نبأنا الله من أخباركم) * علة لانتفاء التصديق، لأنه تعالى لما أطلع رسوله على ما في ضمائرهم من الخبث والمكر والنفاق، امتنع أن يصدقهم الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك الأعذار.
ثم قال: * (وسيرى الله عملكم ورسوله) * والمعنى أنهم كانوا يظهرون من أنفسهم عند تقرير تلك المعاذير حبا للرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين وشفقة عليهم ورغبة في نصرتهم، فقال تعالى: * (وسيرى الله عملكم) * أنكم هل تبقون بعد ذلك على هذه الحالة التي تظهرونها من الصدق والصفاء، أو لا تبقون عليها؟
ثم قال: * (ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة) *.
فإن قيل: لما قال: * (وسيرى الله عملكم) * فلم لم يقل، ثم تردون إليه، وما الفائدة من قوله: * (ثم) *.
قلنا: في وصفه تعالى بكونه: * (عالم الغيب والشهادة) * ما يدل على كونه مطلعا على بواطنهم الخبيثة وضمائرهم المملوءة من الكذب والكيد، وفيه تخويف شديد، وزجر عظيم لهم.
* (سيحلفون بالله لكم إذا نقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس