ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر يريد فقد جاء بعذر صحيح.
الوجه الثاني: أن يكون * (المعذرون) * على وزن قولنا: مفعلون من التعذير الذي هو التقصير. يقال: عذرا تعذيرا إذا قصر ولم يبالغ. يقال: قام فلان قيام تعذير، إذا استكفيته في أمر فقصر فيه، فإن أخذنا بقراءة الخفيف، كان * (المعذرون) * كاذبين. وأما إن أخذنا بقراءة التشديد، وفسرناها بالمعتذرين، فعلى هذا التقدير: يحتمل أنهم كانوا صادقين وأنهم كانوا كاذبين، ومن المفسرين من قال: المعذرون كانوا صادقين بدليل أنه تعالى لما ذكرهم قال بعدهم: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * فلما ميزهم عن الكاذبين دل ذلك على أنهم ليسوا بكاذبين. وروى الواحدي بإسناده عن أبي عمرو: أنه لما قيل له هذا الكلام قال: إن أقواما تكلفوا عذرا بباطل، فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: * (وجاء المعذرون) * وتخلف الآخرون لا لعذر ولا لشبهة عذر جراءة على الله تعالى، فهم المرادون بقوله: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * والذي قاله أبو عمرو محتمل، إلا أن الأول أظهر. وقوله: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * وهم منافقو الأعراب الذين ما جاؤوا وما اعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان. وقرأ أبي * (كذبوا) * بالتشديد * (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم) * في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، وإنما قال: * (منهم) * لأنه تعالى كان عالما بأن بعضهم سيؤمن ويتخلص عن هذا العقاب، فذكر لفظة من الدالة على التبعيض.
قوله تعالى * (ليس على الضعفآء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا مآ أتوك لتحملهم قلت لا أجد مآ أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) *.
اعلم أنه تعالى لما بين الوعيد في حق من يوهم العذر، مع أنه لا عذر له، ذكر أصحاب الأعذار