لم يتعرضوا له البتة، ولم يقصدوه بضرب ولا ألم، فعلمنا أن خوف أبي بكر على نفسه في خدمة محمد صلى الله عليه وسلم أشد من خوف علي كرم الله وجهه، فكانت تلك الدرجة أفضل وأكمل. هذا ما نقوله في هذا الباب على سبيل الاختصار.
أما قوله تعالى: * (وأيده بجنود لم تروها) * فاعلم أن تقدير الآية أن يقال: * (إلا تنصروه) * فلا بد له ذلك بدليل صورتين.
الصورة الأولى: أنه قد نصره في واقعة الهجرة * (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه) * . والصورة الثانية: واقعة بدر، وهي المراد من قوله: * (وأيده بجنود لم تروها) * لأنه تعالى أنزل الملائكة يوم بدر، وأيد رسوله صلى الله عليه وسلم بهم، فقوله: * (وأيده بجنود لم تروها) * معطوف على قوله: * (فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا) *.
ثم قال تعالى: * (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) * والمعنى أنه تعالى جعل يوم بدر كلمة الشرك سافلة دنيئة حقيرة، وكلمة الله هي العليا، وهي قوله لا إله إلا الله. قال الواحدي: والاختيار في قوله: * (وكلمة الله) * الرفع، وهي قراءة العامة على الاستئناف، قال الفراء، ويجوز * (كلمة الله) * بالنصب، ولا أحب هذه القراءة لأنه لو نصبها لكان الأجود أن يقال: وكلمة الله العليا، ألا ترى أنك تقول أعتق أبوك غلامك، ولا تقول أعتق غلامه أبوك.
ثم قال: * (والله عزيز حكيم) * أي قاهر غالب لا يفعل إلا الصواب.
* (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) *.
اعلم أنه تعالى لما توعد من لا ينفر مع الرسول، وضرب له من الأمثال ما وصفنا، أتبعه بهذا الأمر الجزم. فقال: * (انفروا خفافا وثقالا) * والمراد انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد أو على الصفة التي يثقل، وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة. والمفسرون ذكروها. فالأول: * (خفافا) * في النفور لنشاطكم له * (وثقالا) * عنه لمشقته عليكم. الثاني: * (خفافا) * لقلة عيالكم * (وثقالا) *