نافقوا، فقد أظهروا الإسلام، وجنحوا إليه، فإذا جاهروا بالحرب، وجب حربهم. والثاني: أنهم أظهروا الكفر بعد أن أظهروا الإسلام.
وأما قوله: * (وهموا بما لم ينالوا) * المراد إطباقهم على الفتك بالرسول، والله تعالى أخبر الرسول عليه السلام بذلك حتى احترز عنهم، ولم يصلوا إلى مقصودهم.
وأما قوله: * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) * ففيه بحثان:
البحث الأول: أن في هذا الفضل وجهين: الأول: أن هؤلاء المنافقين كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش، لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة، وبعد قدومه أخذوا الغنائم وفازوا بالأموال ووجدوا الدولة، وذلك يوجب عليهم أن يكونوا محبين له مجتهدين في بذل النفس والمال لأجله. والثاني: روي أنه قتل للجلاس مولى، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثني عشر ألفا فاستغنى.
البحث الثاني: أن قوله: * (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله) * تنبيه على أنه ليس هناك شيء ينقمون منه، وهذا كقول الشاعر: ما نقموا من بني أمية إلا * أنهم يحلمون إن غضبوا وكقول النابغة: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب أي ليس فيهم عيب، ثم قال تعالى: * (فإن يتوبوا يك خيرا لهم) * والمراد استعطاف قلوبهم بعد ما صدرت الجناية العظيمة عنهم، وليس في الظاهر إلا أنهم إن تابوا فازوا بالخير، فأما أنهم تابوا فليس في الآية، وقد ذكرنا ما قالوه في توبة الجلاس.
ثم قال: * (وإن يتولوا) * أي عن التوبة * (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة) * أما عذاب الآخرة، فمعلوم. وأما العذاب في الدنيا، فقيل: المراد به أنه لما ظهر كفرهم بين الناس صاروا مثل أهل الحرب، فيحل قتالهم وقتلهم وسبي أولادهم وأزواجهم واغتنام أموالهم. وقيل بما ينالهم عند الموت ومعاينة ملائكة العذاب. وقيل: المراد عذاب القبر * (وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) * يعني أن عذاب الله إذا حق لم ينفعه ولي ولا نصير.
قوله تعالى * (ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين *