واعلم أن ظاهر الآية وإن كان يوهم ما ذكره إلا أن المقصود ما بيناه. والثاني: قوله: * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * والمقصود من ذكر هذا الشرط أن المجاهد قد يجاهد ولا يكون مخلصا بل يكون منافقا، باطنه خلاف ظاهره، وهو الذي يتخذ الوليجة من دون الله ورسوله والمؤمنين، فبين تعالى أنه لا يتركهم إلا إذا أتوا بالجهاد مع الإخلاص خاليا عن النفاق والرياء والتودد إلى الكفار وإبطال ما يخالف طريقة الدين. والمقصود بيان أنه ليس الغرض من إيجاب القتال نفس القتال فقط، بل الغرض أن يؤتى به انقيادا لأمر الله عز وجل ولحكمه وتكليفه، ليظهر به بذل النفس والمال في طلب رضوان الله تعالى فحينئذ يحصل به الانتفاع، وأما الإقدام على القتال لسائر الأغراض فذاك مما لا يفيد أصلا.
ثم قال: * (والله خبير بما تعملون) * أي عالم بنياتهم وأغراضهم مطلع عليها لا يخفى عليه منها شيء، فيجب على الإنسان أن يبالغ في أمر النية ورعاية القلب. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله لا يرضى أن يكون الباطن خلاف الظاهر، وإنما يريد الله من خلقه الاستقامة كما قال: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) * (فصلت: 30 الأحقاف: 130) قال: ولما فرض القتال تبين المنافق من غيره وتميز من يوالي المؤمنين ممن يعاديهم.
* (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفى النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من ءامن بالله واليوم الاخر وأقام الصلوة وءاتى الزكوة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى بدأ السورة بذكر البراءة عن الكفار وبالغ في إيجاب ذلك وذكر من أنواع فضائحهم وقبائحهم ما يوجب تلك البراءة، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبها احتجوا بها