* (ثم تاب عليهم) * لما صبروا وثبتوا وندموا على ذلك الأمر اليسير. وقال الآخرون بل كان ذلك لحديث النفس الذي يكون مقدمة العزيمة، فلما نالتهم الشدة وقع ذلك في قلوبهم ومع ذلك تلافوا هذا اليسير خوفا منه أن يكون معصية. فلذلك قال تعالى: * (ثم تاب عليهم) *.
فإن قيل: ذكر التوبة في أول الآية وفي آخرها فما الفائدة في التكرار؟
قلنا: فيه وجوه:
الوجه الأول: أنه تعالى ابتدأ بذكر التوبة قبل ذكر الذنب تطييبا لقلوبهم، ثم ذكر الذنب ثم أردفه مرة أخرى بذكر التوبة، والمقصود منه تعظيم شأنهم.
والوجه الثاني: أنه إذا قيل: عفا السلطان عن فلان ثم عفا عنه، دل ذلك على أن ذلك العفو عفو متأكد بلغ الغاية القصوى في الكمال والقوة، قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله ليغفر ذنب الرجل المسلم عشرين مرة " وهذا معنى قول ابن عباس في قوله: * (ثم تاب عليهم) * يريد ازداد عنهم رضا.
والوجه الثالث: أنه قال: * (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) * وهذا الترتيب يدل على أن المراد أنه تعالى تاب عليهم من الوساوس التي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة، ثم إنه تعالى زاد عليه فقال: * (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) * فهذه الزيادة أفادت حصول وساوس قوية، فلا جرم أتبعها تعالى بذكر التوبة مرة أخرى لئلا يبقى في خاطر أحدهم شك في كونهم مؤاخذين بتلك الوساوس.
ثم قال تعالى: * (إنه بهم رؤوف رحيم) * وهما صفتان لله تعالى ومعناهما متقارب، ويشبه أن تكون الرأفة عبارة عن السعي في إزالة الضر، والرحمة عبارة عن السعي في إيصال المنفعة. وقيل: إحداهما للرحمة السالفة، والأخرى للمستقبلة.
* (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم) *.
في الآية مسائل: