واو العطف، فهو متصل بذكر المنافقين، وهو خطاب على سبيل التنبيه قال سيبويه عن الخليل في قوله: * (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء) * المعنى: أنه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا.
المسألة الثالثة: ذكروا في هذه الفتنة وجوها: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما يمتحنون بالمرض في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون من ذلك النفاق ولا يتعظون بذلك المرض، كما يتعظ بذلك المؤمن إذا مرض، فإنه عند ذلك يتذكر ذنوبه وموقفه بين يدي الله، فيزيده ذلك إيمانا وخوفا من الله، فيصير ذلك سببا لاستحقاقه لمزيد الرحمة والرضوان من عند الله. الثاني: قال مجاهد: * (يفتنون) * بالقحط والجوع. الثالث: قال قتادة: يفتنون بالغزو والجهاد فإنه تعالى أمر بالغزو والجهاد فهم إن تخلفوا وقعوا في ألسنة الناس باللعن والخزي والذكر القبيح، وإن ذهبوا إلى الغزو مع كونهم كافرين كانوا قد عرضوا أنفسهم للقتل وأموالهم للنهب من غير فائدة. الرابع: قال مقاتل: يفضحهم رسول الله بإظهار نفاقهم وكفرهم قيل: إنهم كانوا يجتمعون على ذكر الرسول بالطعن فكان جبريل عليه السلام ينزل عليه ويخبره بما قالوه فيه، فكان يذكر تلك الحادثة لهم ويوبخهم عليها، ويعظهم فما كانوا يتعظون، ولا ينزجرون.
* (وإذا مآ أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون) *.
اعلم أن هذا نوع آخر من مخازي المنافقين، وهو أنه كلما نزلت سورة مشتملة على ذكر المنافقين وشرح فضائحهم، وسمعوها تأذوا من سماعها، ونظر بعضهم إلى بعض نظرا مخصوصا دالا على الطعن في تلك السورة والاستهزاء بها وتحقير شأنها، ويحتمل أن لا يكون ذلك مختصا بالسورة المشتملة على فضائح المنافقين بل كانوا يستخفون بالقرآن، فكلما سمعوا سورة استهزؤوا بها وطعنوا فيها، وأخذوا في التغامز والتضاحك على سبيل الطعن والهزء، ثم قال بعضهم لبعض: هل يراكم من أحد؟ أي لو رآكم من أحد؟ وهذا فيه وجوه: الأول: أن ذلك النظر دال على ما في الباطن من الإنكار الشديد والنفرة التامة، فخافوا أن يرى أحد من المسلمين ذلك النظر وتلك الأحوال الدالة على النفاق والكفر، فعند ذلك قالوا: * (هل يراكم من أحد) * أي لو رآكم أحد على هذا النظر وهذا الشكل لضركم