أحدها: يضل الله به الذين كفروا. والثاني: يضل الشيطان به الذين كفروا. والثالث: وهو أقواها يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأقوالهم، وإنما كان هذا الوجه أقوى لأنه لم يجر ذكر الله ولا ذكر الشيطان.
واعلم أن الكناية في قوله: * (يضل به) * يعود إلى النسئ. وقوله: * (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) * فالضمير عائد إلى النسئ. والمعنى: يحلون ذلك الإنساء عاما ويحرمونه عاما. قال الواحدي: يحلون التأخير عاما وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم، ويحرمون التأخير عاما آخر وهو العام الذي يدعون المحرم على تحريمه. قال رضي الله عنه هذا التأويل إنما يصح إذا فسرنا النسئ بأنهم كانوا يؤخرون المحرم في بعض السنين، وذلك يوجب أن ينقلب الشهر المحرم إلى الحل وبالعكس، إلا أن هذا إنما يصلح لو حملنا النسئ على المفعول وهو المنسوء المؤخر، وقد ذكرنا أنه مشكل لأنه يقتضي أن يكون الشهر المؤخر كفرا وأنه غير جائز إلا إذا قلنا إن المراد من النسئ المنسوء وهو المفعول، وحملنا قوله: * (إنما النسئ) * زيادة في الكفر على أن المراد العمل الذي به يصير النسئ سببا في زيادة الكفر، وبسبب هذا الإضمار يقوى هذا التأويل.
أما قوله: * (ليواطئوا عدة ما حرم الله) * قال أهل اللغة يقال: واطأت فلانا على كذا إذا وافقته عليه. قال المبرد: يقال: تواطأ القوم على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد يطأ حيث يطأ صاحبه والإيطاء في الشعر من هذا وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين على لفظ واحد، ومعنى واحد. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أنهم ما أحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة، مطابقة لما ذكره الله تعالى، هذا هو المراد من المواطأة. ولما بين تعالى كون هذا العمل كفرا ومنكرا قال: * (زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) * قال ابن عباس والحسن: يريد زين لهم الشيطان هذا العمل والله لا يرشد كل كفار أثيم.
* (يا أيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الارض