وأما قوله تعالى: * (وليجدوا فيكم غلظة) * قال الزجاج: فيها ثلاث لغات، فتح الغين وضمها وكسرها. قال صاحب " الكشاف ": الغلظة بالكسر الشدة العظيمة، والغلظة كالضغطة، والغلظة كالسخطة، وهذه الآية تدل على الأمر بالتغليظ عليهم، ونظيره قوله تعالى: * (وأغلظ عليهم) * (التوبة: 73) وقوله: * (ولا تهنوا) * (آل عمران: 139 النساء: 104) وقوله في صفحة الصحابة رضي الله عنهم: * (أعزة على الكافرين) * (المائدة: 54) وقوله: * (أشداء على الكفار) * (الفتح: 29) وللمفسرين عبارات في تفسير الغلظة، قيل شجاعة وقيل شدة وقيل غيظا.
واعلم أن الغلظة ضد الرقة، وهي الشدة في إحلال النقمة، والفائدة فيها أنها أقوى تأثيرا في الزجر والمنع عن القبيح، ثم إن الأمر في هذا الباب لا يكون مطردا، بل قد يحتاج تارة إلى الرفق واللطف وأخرى إلى العنف، ولهذا السبب قال: * (وليجدوا فيكم غلظة) * تنبيها على أنه لا يجوز الاقتصار على الغلظة البتة فإنه ينفر ويوجب تفرق القوم، فقوله: * (وليجدوا فيكم غلظة) * يدل على تقليل الغلظة، كأنه قيل لا بد وأن يكونوا بحيث لو فتشوا على أخلاقكم وطبائعكم لوجدوا فيكم غلظة، وهذا الكلام إنما يصح فيمن أكثر أحواله الرحمة والرأفة، ومع ذلك فلا يخلو عن نوع غلظة.
واعلم أن هذه الغلظة إنما تعتبر فيما يتصل بالدعوة إلى الدين. وذلك إما بإقامة الحجة والبينة، وإما بالقتال والجهاد، فإما أن يحصل هذا التغليظ فيما يتصل بالبيع والشراء والمجالسة والمؤاكلة فلا.
ثم قال: * (واعلموا أن الله مع المتقين) * والمراد أن يكون إقدامه على الجهاد والقتال بسبب تقوى الله لا بسبب طلب المال والجاه، فإذا رآه قبل الإسلام أحجم عن قتاله، وإذا رآه مال إلى قبوله الجزية تركه، وإذا كثر العدو أخذ الغنائم على وفق حكم الله تعالى.
قوله تعالى * (وإذا مآ أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين فى قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) *.