وتقبل صدقاتهم، أن الله يقبل التوبة الصحيحة، ويقبل الصدقات الصادرة عن خلوص النية، والثاني: أن يكون المراد من هذه الآية غير التائبين ترغيبا لهم في التوبة. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حكم بصحة توبتهم قال: " الذين لم يتوبوا هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم " فنزلت هذه الآية.
المسألة الثالثة: قوله: * (هو يقبل التوبة) * في فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى سمى نفسه ههنا باسم الله. ثم قال عقيبه: * (هو يقبل التوبة) * وفيه تنبيه على أن كونه إلها يوجب قبول التوبة، وذلك لأن الإله هو الذي يمتنع تطرق الزيادة والنقصان إليه، ويمتنع أن يزداد حاله بطاعة المطيعين وأن ينتقص حاله بمعصية المذنبين، ويمتنع أيضا أن يكون له شهوة إلى الطاعة، ونفرة عن المعصية، حتى يقال: إن نفرته وغضبه يحمله على الانتقام، بل المقصود من النهي عن المعصية والترغيب في الطاعة، هو أن كل ما دعا القلب إلى عالم الآخرة ومنازل السعداء، ونهاه عن الاشتغال بالجسمانيات الباطلة، فهو العبادة والعمل الحق والطريق الصالح، وكل ما كان بالضد منه فهو المعصية والعمل الباطل، فالمذنب لا يضر إلا نفسه، والمطيع لا ينفع إلا نفسه. كما قال تعالى: * (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) * (الإسراء: 7) فإن كان الإله رحيما حكيما كريما ولم يكن غضبه على المذنب لأجل أنه تضرر بمعصيته، فإذا انتقل العبد من المعصية إلى الطاعة كان كرمه كالموجب عليه قبول توبته. فثبت أن الإلهية لما كانت عبارة عن الاستغناء المطلق، وكان الاستغناء المطلق ممتنع الحصول لغيره، كان قبول التوبة من الغير كالممتنع إلا لسبب آخر منفصل، أو لمعارض أو لمباين.
الفائدة الثانية: في هذا التخصيص هو أن قبول التوبة ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما إلى الله الذي هو يقبل التوبة تارة ويردها أخرى. فاقصدوا الله بها ووجهوها إليه، وقيل لهؤلاء التائبين اعملوا فإن عملكم لا يخفى على الله خيرا كان أو شرا.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: قبول التوبة واجب عقلا على الله تعالى. وقال أصحابنا: قبول التوبة واجب بحكم الوعد والتفضل والإحسان، أما عقلا فلا. وحجة أصحابنا على عدم وجوب قبول التوبة وجوه: الأول: أن الوجوب لا يتقرر معناه ألا إذا كان بحيث لو لم يفعله الفاعل لاستحق الذم، فلو وجب قبول التوبة على الله تعالى لكان بحيث لو لم يقبلها لصار مستحقا للذم، وهذا محال، لأن من كان كذلك فإنه يكون مستكملا بفعل القبول، والمستكمل بالغير ناقص لذاته وذلك في حق الله تعالى محال. الثاني: أن الذم إنما يمنع من الفعل إذا كان بحيث يتأذى عن سماع ذلك الذم وينفر عنه طبعه، ويظهر له بسببه نقصان حال، أما من كان متعاليا عن الشهوة والنفرة