وإذا ثبت هذا فنقول: إنه إذا فرط في الزكاة حتى هلك النصاب، فالذي هلك ما كان محلا للحق، بل محل الحق باق كما كان، فوجب أن يبقى ذلك الوجوب بعد هلاك النصاب كما كان، وهذا قول الشافعي رحمه الله. الحكم الثالث ظاهر هذا العموم يوجب الزكاة في مال المديون، وفي مال الضمان، وهو ظاهر. الحكم الرابع ظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن الآثام، فلا تجب إلا حيث تصير طهرة عن الآثام، وكونها طهرة عن الآثام لا يتقرر إلا حيث يمكن حصول الآثام، وذلك لا يعقل إلا في حق البالغ، فوجب أن لا يثبت وجوب الزكاة إلا في حق البالغ كما هو قول أبي حنيفة رحمه الله، إلا أن الشافعي رحمه الله يجيب ويقول إن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم، وأخذ الصدقة من أموالهم يستلزم كونها طهرة، فلم قلتم إن أخذ الزكاة من أموال الصبي، والمجنون طهرة لأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقا؟
المسألة الثالثة: في قوله: * (تطهرهم) * أقوال:
القول الأول: أن يكون التقدير: خذ يا محمد من أموالهم صدقة فإنك تطهرهم.
القول الثاني: أن يكون تطهرهم معلقا بالصدقة، والتقدير: خذ من أموالهم صدقة مطهرة، وإنما حسن جعل الصدقة مطهرة لما جاء أن الصدقة أوساخ الناس، فإذا أخذت الصدقة فقد اندفعت تلك الأوساخ فكان اندفاعها جاريا مجرى التطهير، والله أعلم.
إن على هذا القول وجب أن نقول: إن قوله: * (وتزكيهم) * يكون منقطعا عن الأول، ويكون التقدير * (خذ) * يا محمد * (من أموالهم صدقة تطهرهم) * تلك الصدقة، وتزكيهم أنت بها.
القول الثالث: أن يجعل التاء في * (تطهرهم وتزكيهم) * ضمير المخاطب، ويكون المعنى: تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها منهم وتزكيهم بواسطة تلك الصدقة.
المسألة الرابعة: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (تطهرهم) * من أطهره بمعنى طهره * (وتطهرهم) * بالجزم جوابا للأمر، ولم يقرأ * (وتزكيهم) * إلا بإثبات الياء.
ثم قال تعالى: * (وتزكيهم) * واعلم أن التزكية لما كانت معطوفة على التطهير وجب حصول المغايرة، فقيل: التزكية مبالغة في التطهير، وقيل: التزكية بمعنى الإنماء، والمعنى: أنه تعالى يجعل