قال المفسرون: إن المنافقين لما بنوا ذلك المسجد لتلك الأغراض الفاسدة عند ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، قالوا: يا رسول الله بنينا مسجدا لذي العلة والليلة الممطرة والشاتية، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة. فقال عليه السلام: إني على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه، فلما رجع من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد فنزلت هذه الآية، فدعا بعض القوم وقال: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدموه وخربوه، ففعلوا ذلك وأمر أن يتخذ مكانه كناسة يلقي فيها الجيف والقمامة. وقال الحسن: هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى ذلك المسجد فنادى جبريل عليه السلام لا تقم فيه أبدا. إذا عرفت هذا فنقول: قوله: * (لا تقم فيه) * نهى له عليه السلام عن أن يقوم فيه. قال ابن جريج: فرغوا من إتمام ذلك المسجد يوم الجمعة، فصلوا فيه ذلك اليوم ويوم السبت والأحد، وانهار في يوم الاثنين. ثم إنه تعالى بين العلة في هذا النهي، وهي أن أحد المسجدين لما كان مبنيا على التقوى من أول يوم، وكانت الصلاة في مسجد آخر تمنع من الصلاة في مسجد التقوى، كان من المعلوم بالضرورة أن يمنع من الصلاة في المسجد الثاني.
فإن قيل: كون أحد المسجدين أفضل لا يوجب المنع من إقامة الصلاة في المسجد الثاني.
قلنا: التعليل وقع بمجموع الأمرين، أعني كون مسجد الضرار سببا للمفاسد الأربعة المذكورة، ومسجد التقوى مشتملا على الخيرات الكثيرة. ومن الروافض من يقول: بين الله تعالى أن المسجد الذي بني من أول الأمر على التقوى أحق بالقيام فيه من المسجد الذي لا يكون كذلك. وثبت أن عليا ما كفر بالله طرفة عين، فوجب أن يكون أولى بالقيام بالإمامة ممن كفر بالله في أول أمره. وجوابنا أن التعليل وقع بمجموع الأمور المذكورة، فزال هذا السؤال. واختلفوا في أن مسجد التقوى ما هو؟ قيل: إنه مسجد قباء، وكان عليه السلام يأتيه في كل سنة فيصلي فيه، والأكثرون أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سعيد بن المسيب: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول عليه السلام، وذكر أن الرجلين اختلفا فيه، فقال أحدهما: مسجد الرسول، وقال آخر: قباء. فسألاه عليه السلام فقال هو مسجدي هذا. وقال القاضي: لا يمنع دخولهما جميعا تحت هذا الذكر لأن قوله: * (لمسجد أسس على التقوى) * هو كقول القائل، لرجل صالح أحق أن تجالسه. فلا يكون ذلك مقصورا على واحد.
فإن قيل: لم قال أحق أن تقوم فيه، مع أنه لا يجوز قيامه في الآخر؟
قلنا: المعنى أنه لو كان ذلك جائزا لكان هذا أولى، للسبب المذكور.