تام شريف رفيع عليك. وأما قوله: السلام عليك، فالسلام لفظ مفرد محلى بالألف واللام، وأنه لا يفيد إلا أصل الماهية، واللفظ الدال على أصل الماهية لا إشعار فيه بالأحوال العارضة للماهية وبكمالات الماهية، فكان قوله: " سلام عليك " أكمل من قوله: " السلام عليك " ومما يؤكد هذا المعنى أنه أينما جاء لفظ " السلام " من الله تعالى ورد على سبيل التنكير، كقوله: * (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) * (الأنعام: 54) وقوله: * (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى) * (النمل: 59) وفي القرآن من هذا الجنس كثير. أما لفظ " السلام " بالألف واللام، فإنما جاء من الأنبياء عليهم السلام، كقول موسى عليه السلام: * (قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى) * (طه: 47) وأما في سورة مريم فلما ذكر الله يحيى عليه السلام قال: * (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت) * (مريم: 15) وهذا السلام من الله تعالى، وفي قصة عيسى عليه السلام قال: * (والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت) * (مريم: 33) وهذا كلام عيسى عليه السلام. فثبت بهذه الوجوه أن قوله: " سلام عليك " أكمل من قوله: " السلام عليك " فلهذا السبب اختار الشافعي رحمه الله في قراءة التشهد قوله: سلام عليك أيها النبي على سبيل التنكير، ومن لطائف السلام أنه لا شك أن هذا العالم معدن الشرور والآفات والمحن والمخالفات، واختلف العلماء الباحثون عن أسرار الأخلاق، أن الأصل في جبلة الحيوان الخير أو الشر؟ فمنهم من قال: الأصل فيها الشر، وهذا كالإجماع المنعقد بين جميع أفراد الإنسان، بل نزيد ونقول: إنه كالإجماع المنعقد بين جميع الحيوان، والدليل عليه أن كل إنسان يرى إنسانا يعدو إليه مع أنه لا يعرفه، فإن طبعه يحمله على الاحتراز عنه والتأهب لدفعه، ولولا أن طبعه يشهد بأن الأصل في الإنسان الشر، وإلا لما أوجبت فطرة العقل التأهب لدفع شر ذلك الساعي إليه، بل قالوا: هذا المعنى حاصل في كل الحيوانات، فإن كل حيوان عدا إليه حيوان آخر فر ذلك الحيوان الأول واحترز منه، فلو تقرر في طبعه أن الأصل في هذا الواصل هو الخير لوجب أن يقف، لأن أصل الطبيعة يحمل على الرغبة في وجدان الخير، ولو كان الأصل في طبع الحيوان أن يكون خيره وشره على التعادل والتساوي، وجب أن يكون الفرار والوقوف متعادلين، فلما لم يكن الأمر كذلك بل كل حيوان نوجه إليه حيوان مجهول الصفة عند الأول، فإن ذلك الأول يحترز عنه بمجرد فطرته الأصلية، علمنا أن الأصل في الحيوان هو الشر.
إذا ثبت هذا فنقول: دفع الشر أهم من جلب الخير، ويدل عليه وجوه: الأول: أن دفع الشر يقتضي إبقاء الأصل أهم من تحصيل الزائد. والثاني: أن إيصال الخير إلى كل أحد ليس في الوسع، أما كف الشر عن كل أحد داخل في الوسع، لأن الأول فعل والثاني ترك، وفعل ما لا نهاية له غير ممكن، أما ترك