وعينها لهم، وذلك يقتضي بقاءهم على تلك الصفة التي لأجلها صاروا مستحقين لتلك الجنات، وليس لأحد أن يقول: المراد أنه تعالى أعدها لهم لو بقوا على صفة الإيمان، لأنا نقول: هذا زيادة إضمار وهو خلاف الظاهر. وأيضا فعلى هذا التقدير: لا يبقى بين هؤلاء المذكورين في هذا المدح، وبين سائر الفرق فرق، لأنه تعالى: * (أعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار) * ولفرعون وهامان وأبي جهل وأبي لهب، لو صاروا مؤمنين، ومعلوم أنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام في معرض المدح العظيم والثناء الكامل، وحمله على ما ذكروه يوجب بطلان هذا المدح والثناء، فسقط هذا السؤال. فظهر أن هذه الآية دالة على فضل أبي بكر، وعلى صحة القول بإمامته قطعا.
المسألة الثانية: اختلفوا في أن المدح الحاصل في هذه الآية هل يتناول جميع الصحابة أم يتناول بعضهم؟ فقال قوم: إنه يتناول الذين سبقوا في الهجرة والنصرة، وعلى هذا فهو لا يتناول إلا قدماء الصحابة، لأن كلمة * (من) * تفيد التبعيض، ومنهم من قال: بل يتناول جميع الصحابة، لأن جملة الصحابة موصوفون بكونهم سابقين أولين بالنسبة إلى سائر المسلمين، وكلمة * (من) * في قوله: * (من المهاجرين والأنصار) * ليست للتبعيض، بل للتبيين، أي والسابقون الأولون الموصوفون بوصف كونهم مهاجرين وأنصارا كما في قوله تعالى: * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) * (الحج: 30) وكثير من الناس ذهبوا إلى هذا القول، روي عن حميد بن زياد أنه قال: قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب الرسول عليه السلام فيما كان بينهم، وأردت الفتن، فقال لي: إن الله تعالى قد غفر لجميعهم، وأوجب لهم الجنة في كتابه، محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب لهم الجنة؟ قال: سبحان الله! ألا تقرأ قوله تعالى: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار) * إلى آخر الآية؟ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي عليه السلام الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا شرطه عليهم. قلت: وما ذاك الشرط؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان في العمل، وهو أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك، أو يقال: المراد أن يتبعوهم بإحسان في القول، وهو أن لا يقولوا فيهم سوءا، وأن لا يوجهوا الطعن فيما أقدموا عليه. قال حميد بن زياد: فكأني ما قرأت هذه الآية قط!.
المسألة الثالثة: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقرأ * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان) * فكان يعطف قوله: * (الأنصار) * على قوله: * (والسابقون) * وكان يحذف الواو من قوله: * (والذين اتبعوهم بإحسان) * ويجعله وصفا للأنصار، وروي أن عمر رضي الله عنه كان يقرأ هذه الآية على هذا الوجه. قال أبي: والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله