المعهود السابق، فإن لم يوجد المعهود السابق، حمل على الاستغراق للضرورة. قالوا: لأن صيغة الجمع يكفي في حصول معناها الثلاثة فما فوقها، والألف واللام للتعريف، فإن حصل جمع هو معهود سابق وجب الانصراف إليه، وإن لم يوجد فحينئذ يحمل على الاستغراق دفعا للإجمال.
قالوا إذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (الأعراب) * المراد منه جمع معينون من منافقي الأعراب، كانوا يوالون منافقي المدينة فانصرف هذا اللفظ إليهم.
المسألة الثالثة: أنه تعالى حكم على الأعراب بحكمين: الحكم الأول أنهم أشد كفرا ونفاقا، والسبب فيه وجوه: الأول: أن أهل البدو يشبهون الوحوش. والثاني: استيلاء الهواء الحار اليابس عليهم، وذلك يوجب مزيد التيه والتكبر والنخوة والفخر والطيش عليهم، والثالث: أنهم ما كانوا تحت سياسة سائس، ولا تأديب مؤدب، ولا ضبط ضابط فنشأوا كما شاؤوا، ومن كان كذلك خرج على أشد الجهات فسادا. والرابع: أن من أصبح وأمسى مشاهدا لوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبياناته الشافية، وتأديباته الكاملة، كيف يكون مساويا لمن لم يؤاثر هذا الخير، ولم يسمع خبره. والخامس: قابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية لتعرف الفرق بين أهل الحضر والبادية. الحكم الثاني قوله: * (وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) * وقوله: * (أجدر) * أي أولى وأحق، وفي الآية حذف، والتقدير: وأجدر بأن لا يعلموا. وقيل في تفسير حدود ما أنزل الله مقادير التكاليف والأحكام. وقيل: مراتب أدلة العدل والتوحيد والنبوة والمعاد * (والله عليم) * بما في قلوب خلقه * (حكيم) * فيما فرض من فرائضه.
ثم قال: * (ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما) * والمغرم مصدر كالغرامة، والمعنى: أن من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران، وإنما يعتقد ذلك لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء، لا لوجه الله وابتغاء ثوابه * (ويتربص بكم الدوائر) * يعني الموت والقتل، أي ينتظر أن تنقلب الأمور عليكم بموت الرسول، ويظهر عليكم المشركون. ثم إنه أعاده إليهم فقال: * (عليهم دائرة السوء) * والدائرة يجوز أن تكون واحدة، ويجوز أن تكون صفة غالبة، وهي إنما تستعمل في آفة تحيط بالإنسان كالدائرة، بحيث لا يكون له منها مخلص، وقوله: * (السوء) * قرىء بفتح