تعالى وفقهم حتى تابوا، فلما ذكر الفريق الأول بالمرود على النفاق والمبالغة فيه. وصف هذه الفرقة بالتوبة والإقلاع عن النفاق.
المسألة الثانية: روي أنهم كانوا ثلاثة: أبو لبابة مروان بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، وقيل: كانوا عشرة. فسبعة منهم أوثقوا أنفسهم لما بلغهم ما نزل من المتخلفين فأيقنوا بالهلاك، وأوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين وكانت هذه عادته، فلما قدم من سفره ورآهم موثقين، سأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله هو الذي يحلهم، فقال: وأنا أقسم أني لا أحلهم حتى أومر فيهم، فنزلت هذه الآية فأطلقهم وعذرهم، فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا وإنما تخلفنا عنك بسببها، فتصدق بها وطهرنا، فقال: ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فنزل قوله: * (خذ من أموالهم صدقة) * الآية.
المسألة الثالثة: قوله: * (اعترفوا بذنوبهم) * قال أهل اللغة: الاعتراف عبارة عن الإقرار بالشيء عن معرفة، ومعناه أنهم أقروا بذنبهم، وفيه دقيقة، كأنه قيل لم يعتذروا عن تخلفهم بالأعذار الباطلة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئسما فعلوا وأظهروا الندامة وذموا أنفسهم على ذلك التخلف.
فإن قيل: الاعتراف بالذنب هل يكون توبة أم لا؟
قلنا: مجرد الاعتراف بالذنب لا يكون توبة، فأما إذا اقترن به الندم على الماضي، والعزم على تركه في المستقبل، وكان هذا الندم والتوبة لأجل كونه منهيا عنه من قبل الله تعالى، كان هذا المجموع توبة، إلا أنه دل الدليل على أن هؤلاء قد تابوا بدليل قوله تعالى: * (عسى الله أن يتوب عليهم) * والمفسرون قالوا: إن عسى من الله يدل على الوجوب.
ثم قال تعالى: * (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) * وفيه بحثان:
البحث الأول: في هذا العمل الصالح وجوه: الأول: العمل الصالح هو الاعتراف بالذنب والندامة عليه والتوبة منه، والسئ هو التخلف عن الغزو. والثاني: العمل الصالح خروجهم مع الرسول إلى سائر الغزوات والسئ هو تخلفهم عن غزوة تبوك. والثالث: أن هذه الآية نزلت في حق المسلمين كان العمل الصالح إقدامهم على أعمال البر التي صدرت عنهم.
البحث الثاني: لقائل أن يقول: قد جعل كل واحد من العمل الصالح والسئ مخلوطا. فما المخلوط به. وجوابه أن الخلط عبارة عن الجمع المطلق، وأما قولك خلطته، فإنما يحسن في الموضع