إزالة للإجمال عن اللفظ، وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس، ومخالف للطبع، فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره من هذه الطاعة، وكان ذلك مقويا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره، وكذلك السبق في النصرة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة، فازوا بمنصب عظيم، فلهذه الوجوه يجب أن يكون المراد والسابقون الأولون في الهجرة.
إذا ثبت هذا فنقول: إن أسبق الناس إلى الهجرة هو أبو بكر، لأنه كان في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان مصاحبا له في كل مسكن وموضع، فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصيب غيره، وعلي بن أبي طالب، وإن كان من المهاجرين الأولين إلا أنه إنما هاجر بعد هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه إنما بقي بمكة لمهمات الرسول إلا أن السبق إلى الهجرة إنما حصل لأبي بكر، فكان نصيب أبي بكر من هذه الفضيلة أوفر، فإذا ثبت هذا صار أبو بكر محكوما عليه بأنه رضي الله عنه، ورضي هو عن الله، وذلك في أعلى الدرجات من الفضل.
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إماما حقا بعد رسول الله، إذ لو كانت إمامته باطلة لاستحق اللعن والمقت، وذلك ينافي حصول مثل هذا التعظيم، فصارت هذه الآية من أدل الدلائل على فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعلى صحة إمامتهما.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من سبق إلى الإسلام من المهاجرين والأنصار، لأن هؤلاء آمنوا، وفي عدد المسلمين في مكة والمدينة قلة وضعف. فقوي الإسلام بسببهم، وكثر عدد المسلمين بسبب إسلامهم، وقوي قلب الرسول بسبب دخولهم في الإسلام واقتدى بهم غيرهم، فكان حالهم فيه كحال من سن سنة حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة؟ ثم نقول: هب أن أبا بكر دخل تحت هذه الآية بحكم كونه أول المهاجرين، لكن لم قلتم أنه بقي على تلك الحالة؟ ولم لا يجوز أن يقال: إنه تغير عن تلك الحالة، وزالت عنه تلك الفضيلة بسبب إقدامه على تلك الإمامة؟
والجواب عن الأول: أن حمل السابقين على السابقين في المدة تحكم لا دلالة عليه، لأن لفظ السابق مطلق، فلم يكن حمله على السبق في المدة أولى من حمله على السبق في سائر الأمور، ونحن بينا أن حمله على السبق في الهجرة أولى. قوله: المراد منه السبق في الإسلام.
قلنا: السبق في الهجرة يتضمن السبق في الإسلام، والسبق في الإسلام لا يتضمن السبق