من الزكاة إلى بلد يجد هذه الأصناف فيه، فذاك قول لم يقل به أحد! وإذا أسقطنا عنه ذلك فحينئذ يصح قولنا فهذا ما نقوله في هذا الباب. والله أعلم.
المسألة الرابعة: في تعريف الأصناف الثمانية، فالأول والثاني هم الفقراء والمساكين، ولا شك أنهم هم المحتاجون الذي لا يفي خرجهم بدخلهم. ثم اختلفوا فقال بعضهم: الذي يكون أشد حاجة هو الفقير؛ وهو قول الشافعي رحمه الله وأصحابه. وقال آخرون: الذي أشد حاجة هو المسكين، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله، ومن الناس من قال: لا فرق بين الفقراء والمساكين، والله تعالى وصفهم بهذين الوصفين، والمقصود شيء واحد وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، واختيار أبي علي الجبائي، وفائدته تظهر في هذه المسألة، وهو أنه لو أوصى لفلان وللفقراء والمساكين، فالذين قالوا: الفقراء غير المساكين قالوا لفلان الثلث، والذين قالوا: الفقراء هم المساكين قالوا لفلان النصف. وقال الجبائي: إنه تعالى ذكرهم باسمين لتوكيد أمرهم في الصدقات لأنهم هم الأصول في الأصناف الثمانية. وأيضا الفائدة فيه أن يصرف إليهم من الصدقات سهمان لا كسائرهم.
واعلم أن فائدة هذا الاختلاف لا تظهر في تفرقة الصدقات وإنما تظهر في الوصايا، وهو أن رجلا لو قال: أوصيت للفقراء بمائتين وللمساكين بخمسين، وجب دفع المائتين عند الشافعي رحمه الله من كان أشد حاجة، وعند أبي حنيفة رحمه الله إلى من كان أقل حاجة، وحجة الشافعي رحمه الله وجوه:
الوجه الأول: أنه تعالى إنما أثبت الصدقات لهؤلاء الأصناف دفعا لحاجتهم وتحصيلا لمصلحتهم، وهذا يدل على أن الذي وقع الابتداء بذكره يكون أشد حاجة، لأن الظاهر وجوب تقديم الأهم على المهم ألا ترى أنه يقال: أبو بكر وعمر ومن فضل عثمان على علي عليه السلام قال في ذكرهما عثمان وعلي، ومن فضل عليا على عثمان يقول علي وعثمان، وأنشد عمر قول الشاعر:
فقال هلا قدم الإسلام على الشيب؟ فلما وقع الابتداء بذكر الفقراء وجب أن تكون حاجتهم أشد من حاجة المساكين.
الوجه الثاني: قال أحمد بن عبيد الفقير أسوأ حالا من المسكين، لأن الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره، فصرف عن مفقور إلى فقير كما قيل: مطبوخ وطبيخ، ومجروح وجريح، فثبت أن الفقير إنما سمي فقيرا لزمانته مع حاجته الشديدة وتمنعه الزمانة من