الصنف الخامس: قوله: * (وفي الرقاب) * قال الزجاج: وفيه محذوف، والتقدير: وفي فك الرقاب وقد مضى الاستقصاء في " تفسيره " في سورة البقرة في قوله: * (والسائلين وفي الرقاب) * (البقرة: 177) ثم في تفسير الرقاب أقوال:
القول الأول: إن سهم الرقاب موضوع في المكاتبين ليعتقوا به، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، والليث بن سعد، واحتجوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قوله: * (وفي الرقاب) * يريد المكاتب وتأكد هذا بقوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * (النور: 33).
والقول الثاني: وهو مذهب مالك وأحمد وإسحق أنه موضوع لعتق الرقاب يشتري به عبيد فيعتقون.
والقول الثالث: قول أبي حنيفة وأصحابه وقول سعيد بن جبير والنخعي، أنه لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة ولكنه يعطي منها في رقبة وما بها مكاتب لأن قوله: * (وفي الرقاب) * يقتضي أن يكون له فيه مدخل وذلك ينافي كونه تاما فيه.
والقول الرابع: قول الزهري: قال سهم الرقاب نصفان، نصف للمكاتبين من المسلمين، ونصف يشتري به رقاب ممن صلوا وصاموا، وقدم إسلامهم فيعتقون من الزكاة، قال أصحابنا: والاحتياط في سهم الرقاب دفعه إلى السيد بإذن المكاتب، والدليل عليه أنه تعالى أثبت الصدقات للأصناف الأربعة الذين تقدم ذكرهم بلام التمليك وهو قوله: * (إنما الصدقات للفقراء) * ولما ذكر الرقاب أبدل حرف اللام بحرف في فقال: * (وفي الرقاب) * فلا بد لهذا الفرق من فائدة، وتلك الفائدة هي أن تلك الأصناف الأربعة المتقدمة يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات حتى يتصرفوا فيها كما شاؤوا وأما * (في الرقاب) * فيوضع نصيبهم في تخليص رقبتهم عن الرق، ولا يدفع إليهم ولا يمكنوا من التصرف في ذلك النصيب كيف شاؤوا، بل يوضع في الرقاب بأن يؤدي عنهم، وكذا القول في الغارمين يصرف المال في قضاء ديونهم، وفي الغزاة يصرف المال إلى إعداد ما يحتاجون إليه في الغزو وابن السبيل كذلك. والحاصل: أن في الأصناف الأربعة الأول، يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كما شاؤوا، وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم، بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا سهم الزكاة.
الصنف السادس: قوله تعالى: * (والغارمين) * قال الزجاج: أصل الغرم في اللغة لزوم ما يشق والغرام العذاب اللازم، وسمي العشق غراما لكونه أمرا شاقا ولازما، ومنه: فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن، وسمي الدين غراما لكونه شاقا على الإنسان ولازما له، فالمراد بالغارمين المديونون، ونقول: الدين إن حصل بسبب معصية لا يدخل في الآية، لأن المقصود من صرف