لأحد إلا لهذه الأصناف الثمانية، وذلك مجمع عليه، وأيضا فلفظة * (إنما) * تفيد الحصر ويدل عليه وجوه: الأول: أن كلمة * (إنما) * مركبة من " إن " و " ما " وكلمة إن للإثبات وكلمة ما للنفي، فعند اجتماعهما وجب بقاؤهما على هذا المفهوم، فوجب أن يفيد الثبوت المذكور، وعدم ما يغايره. الثاني: أن ابن عباس تمسك في نفي ربا الفضل بقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الربا في النسيئة " ولولا أن هذا اللفظ يفيد الحصر، وإلا لما كان الأمر كذلك، وأيضا تمسك بعض الصحابة في أن الإكسال لا يوجب الاغتسال بقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الماء من الماء " ولولا أن هذه الكلمة تفيد الحصر وإلا لما كان كذلك. وقال تعالى: * (إنما الله إله واحد) * (النساء: 171) والمقصود بيان نفي الإلهية للغير والثالث: الشعر. قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى * وإنما العزة للكاثر وقال الفرزدق: أنا الذائد الحامي الذمار وإنما * يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي فثبت بهذه الوجوه أن كلمة * (إنما) * للحصر، ومما يدل على أن الصدقات لا تصرف إلا لهذه الأصناف الثمانية أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل: " إن كنت من الأصناف الثمانية فلك فيها حق وإلا فهو صداع في الرأس، وداء في البطن " وقال: " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى ".
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى لما أخبر عن المنافقين أنهم يلمزون الرسول عليه السلام في أخذ الصدقات، بين تعالى أنه إنما يأخذها لهؤلاء الأصناف الثمانية، ولا يأخذها لنفسه ولا لأقاربه ومتصليه، وقد بينا أن أخذ القليل من مال الغني ليصرف إلى الفقير في دفع حاجته هو الحكمة المعينة، والمصلحة اللازمة، وإذا كان الأمر كذلك كان همز المنافقين ولمزهم عين السفه والجهالة. فكان عليه الصلاة والسلام يقول: " ما أوتيكم شيئا ولا أمنعكم، إنما أنا خازن أضع حيث أمرت ".
المسألة الثالثة: مذهب أبي حنيفة رحمه الله: أنه يجوز صرف الصدقة إلى بعض هؤلاء الأصناف فقط، وهو قول عمر وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير وأبي العالية والنخعي، وعن سعيد بن جبير لو نظرت إلى أهل بيت من المسلمين فقراء متعففين فحبوتهم بها كان أحب إلي، وقال الشافعي رحمه الله: لا بد من صرفها إلى الأصناف الثمانية، وهو قول عكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز: واحتج بأنه تعالى ذكر هذه القسمة في نص الكتاب. ثم أكدها بقوله: * (فريضة من الله) * قال: