واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا المذهب والمقالة احتج على فساد كون ذلك العجل إلها بقوله: * (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) * وتقرير هذا الدليل أن هذا العجل لا يمكنه أن يكلمهم ولا يمكنه أن يهديهم إلى الصواب والرشد، وكل من كان كذلك كان إما جمادا وإما حيوانا عاجزا، وعلى التقديرين فإنه لا يصلح للإلهية، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن من لا يكون متكلما ولا هاديا إلى السبيل لم يكن إلها لأن الإله هو الذي له الأمر والنهي، وذلك لا يحصل إلا إذا كان متكلما، فمن لا يكون متكلما لم يصح منه الأمر والنهي، والعجل عاجز عن الأمر والنهي فلم يكن إلها. وقالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أن شرط كونه إلها أن يكون هاديا إلى الصدق والصواب، فمن كان مضلا عنه وجب أن لا يكون إلها.
فإن قيل: فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم ويهدي، يجوز أن يتخذ إلها، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلها فلا فائدة فيما ذكرتم.
والجواب من وجهين: الأول: لا يبعد أن يكون ذلك شرطا لحصول الإلهية، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية. الثاني: أن كل من قدر على أن يكلمهم وعلى أن يهديهم إلى الخير والشر فهو إله، والخلق لا يقدرون على الهداية، إنما يقدرون على وصف الهداية، فأما على وضع الدلائل ونصبها فلا قادر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه ختم الآية بقوله: * (وكانوا ظالمين) * أي كانوا ظالمين لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل. والله أعلم.
* (ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) *.
اعلم أنهم اتفقوا على أن المراد من قوله: * (سقط في أيديهم) * أنه اشتد ندمهم على عبادة العجل واختلفوا في الوجه الذي لأجله حسنت هذه الاستعارة.
فالوجه الأول: قال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم، أي في قلوبهم كما يقال حصل في يديه مكروه، وإن كان من المحال حصول المكروه الواقع في اليد، إلا أنهم أطلقوا على المكروه الواقع في القلب والنفس كونه واقعا في اليد، فكذا ههنا.