والجسمانيات على تفاوت درجاتها وتباين منازلها ومراتبها، ويقول الله أكبر، ويشير بقوله - الله - إلى الموجود الذي خلق هذه الأشياء وأخرجها من العدم إلى الوجود، ورتبها بما لها من الصفات والنعوت، وبقوله - أكبر - أي أنه لا يشبه لكبريائه وجبروته وعزه وعلوه وصمديته هذه الأشياء بل هو أكبر من أن يقال: إنه أكبر من هذه الأشياء. فإذا عرفت هذا المثال الواحد فقس الذكر الحاصل مع العرفان والشعور، وعند هذا ينفتح على عقلك نسمة من الأسرار المودعة تحت قوله: * (والله الأسماء الحسنى فادعوه بها) *.
أما قوله تعالى: * (وذروا الذين يلحدون في أسمائه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة * (يلحدون) * ووافقه عاصم والكسائي في النحل. قال الفراء: * (يلحدون) * و * (يلحدون) * لغتان: يقال: لحدت لحدا وألحدت، قال أهل اللغة: معنى الإلحاد في اللغة الميل عن القصد. قال ابن السكيت: الملحد العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه. يقال: قد ألحد في الدين ولحد، وقال أبو عمرو من أهل اللغة: الإلحاد: العدل عن الاستقامة والانحراف عنها. ومنه اللحد الذي يحفر في جانب القبر. قال الواحدي رحمه الله: والأجود قراءة العامة لقوله تعالى: * (ومن يرد فيه بإلحاد) * (الحج: 25) والإلحاد أكثر في كلامهم لقولهم: ملحد، ولا تكاد تسمع العرب يقولون لأحد.
المسألة الثانية: قال المحققون: الإلحاد في أسماء الله يقع على ثلاثة أوجه: الأول: إطلاق أسماء الله المقدسة الطاهرة على غير الله، مثل أن الكفار كانوا يسمون الأوثان بآلهة، ومن ذلك أنهم سموا أصناما لهم باللات والعزى والمناة، واشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز، واشتقاق مناة من المنان. وكان مسيلمة الكذاب لقب نفسه بالرحمن. والثاني: أن يسموا الله بما لا يجوز تسميته به، مثل تسمية من سماه - أبا - للمسيح. وقول جمهور النصارى: أب، وابن، وروح القدس، ومثل أن الكرامية يطلقون لفظ الجسم على الله سبحانه ويسمونه به، ومثل أن المعتزلة قد يقولون في أثناء كلامهم، لو فعل تعالى كذا وكذا لكان سفيها مستحقا للذم، وهذه الألفاظ مشعرة بسوء الأدب. قال أصحابنا: وليس كل ما صح معناه جاز إطلاقه باللفظ في حق الله، فإنه ثبت بالدليل أنه سبحانه هو الخالق لجميع الأجسام، ثم لا يجوز أن يقال: يا خالق الديدان والقرود والقردان، بل الواجب تنزيه الله عن مثل هذه الأذكار، وأن يقال: يا خالق الأرض والسماوات يا مقيل العثرات يا راحم العبرات إلى غيرها من الأذكار الجميلة الشريفة. والثالث: أن يذكر العبد ربه بلفظ لا يعرف معناه ولا يتصور مسماه، فإنه ربما كان مسماه أمرا غير لائق بجلال