التنفير والبعد عن القبول. ولهذا المعنى قال تعالى لمحمد عليه السلام: * (وجادلهم بالتي هي أحسن) * (النحل: 125) فكيف يليق بإبراهيم عليه السلام مثل هذه الخشونة مع أبيه في الدعوة؟ الرابع: أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام الحلم، فقال: * (إن إبراهيم لحليم أواه) * وكيف يليق بالرجل الحليم مثل هذا الجفاء مع الآب؟ فثبت بهذه الوجوه أن آزر ما كان والد إبراهيم عليه السلام بل كان عما له، فأما والده فهو تارح والعم قد يسمى بالأب على ما ذكرنا أن أولاد يعقوب سموا إسماعيل بكونه أبا ليعقوب مع أنه كان عما له. وقال عليه السلام: " ردوا علي أبي " يعني العم العباس وأيضا يحتمل أن آزر كان والد أم إبراهيم عليه السلام وهذا قد يقال له الأب. والدليل عليه قوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان) * (الأنعام: 84) إلى قوله: * (عيسى) * فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم عليه السلام كان جدا لعيسى من قبل الأم. وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله كان كافرا وذكروا أن نص الكتاب في هذه الآية تدل على أن آزر كان كافرا وكان والد إبراهيم عليه السلام. وأيضا قوله تعالى: * (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه) * إلى قوله: * (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * (التوبة: 114) وذلك يدل على قولنا، وأما قوله * (وتقلبك في الساجدين) * قلنا: قد بينا أن هذه الآية تحتمل سائر الوجوه قوله تحمل هذه الآية على الكل، قلنا هذا محال لأن حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه لا يجوز، وأيضا حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معا لا يجوز، وأما قوله عليه السلام: " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " فذلك محمول على أنه ما وقع في نسبه ما كان سفاحا، أما قوله التغليظ مع الأب لا يليق بإبراهيم عليه السلام. قلنا: لعله أصر على كفره فلأجل الإصرار استحق ذلك التغليط. والله أعلم.
المسألة الخامسة: قرىء * (آزر) * بالنصب وهو عطف بيان لقوله: * (لأبيه) * وبالضم على النداء، وسألني واحد فقال: قرىء * (آزر) * بهاتين القراءتين، وأما قوله: * (وإذ قال موسى لأخيه هارون) * قرىء * (هارون) * بالنصب وما قرىء البتة بالضم فما الفرق؟ قلت القراءة بالضم محمولة على النداء والنداء بالاسم استخفاف بالمنادى. وذلك لائق بقصة إبراهيم عليه السلام لأنه كان مصرا على كفره فحسن أن يخاطب بالغلظة زجرا له عن ذلك القبيح، وأما قصة موسى عليه السلام فقد كان موسى عليه السلام يستخلف هارون على قومه فما كان الاستخفاف لائقا بذلك الموضع، فلا جرم ما كانت القراءة بالضم جائزة.
المسألة السادسة: اختلف الناس في تفسير لفظ " الإله " والأصح أنه هو المعبود، وهذه الآية تدل على هذا القول لأنهم ما أثبتوا للأصنام إلا كونها معبودة، ولأجل هذا قال إبراهيم لأبيه: * (أتتخذ أصناما آلهة) * وذلك يدل على أن تفسير لفظ " الإله " هو المعبود.