كالذى استهوته الشياطين فى الارض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين * وأن أقيموا الصلوة واتقوه وهو الذى إليه تحشرون) *.
اعلم أن المقصود من هذه الآية الرد على عبدة الأصنام وهي مؤكدة لقوله تعالى قبل ذلك: * (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) * فقال: * (قل أندعوا من دون الله) * أي أنعبد من دون الله النافع الضار ما لا يقدر على نفعنا ولا على ضرنا، ونرد على أعقابنا راجعين إلى الشرك بعد أن أنقذنا الله منه وهدانا للإسلام؟ ويقال لكل من أعرض عن الحق إلى الباطل أنه رجع إلى خلف، ورجع على عقبيه ورجع القهقرى، والسبب فيه أن الأصل في الإنسان هو الجهل، ثم إذا ترقى وتكامل حصل له العلم. قال تعالى: * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) * (النحل: 78) فإذا رجع من العلم إلى الجهل مرة أخرى فكأنه رجع إلى أول مرة، فلهذا السبب يقال: فلان رد على عقبيه.
وأما قوله: * (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) * فاعلم أنه تعالى وصف هذا الإنسان بثلاثة أنواع من الصفات:
الصفة الأولى: قوله: * (استهوته الشياطين) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ حمزة * (استهواه) * بألف ممالة على التذكير والباقون بالتاء، لأن الجمع يصلح أن يذكر على معنى الجمع، ويصلح أن يؤنث على معنى الجماعة.
المسألة الثانية: اختلفوا في اشتقاق * (استهوته) * على قولين:
القول الأول: أنه مشتق من الهوى في الأرض، وهو النزول من الموضع العالي إلى الوهدة السافلة العميقة في قعر الأرض، فشبه الله تعالى حال هذا الضال به وهو قوله: * (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء) * ولا شك أن حال هذا الإنسان عند هويه من المكان العالي إلى الوهدة العميقة المظلمة يكون في غاية الاضطراب والضعف والدهشة.
والقول الثاني: أنه مشتق من اتباع الهوى والميل، فإن من كان كذلك فإنه ربما بلغ