ما يكون قبيحا، نحو: الظلم، والسفه، والكذب، والغيبة: وهذه المقدمة غير مذكورة في الآية لغاية ظهورها. وثانيها: كونه تعالى عالما بالمعلومات، وإليه الإشارة بقوله قبل هذه الآية: * (وما ربك بغافل عما يعملون) * وثالثها: كونه تعالى غنيا عن الحاجات وإليه الإشارة بقوله: * (وربك الغني) * وإذا ثبت مجموع هذه المقدمات الثلاثة، ثبت أنه تعالى عالم بقبح القبائح وعالم بكونه غنيا عنها، فإذا ثبت هذا امتنع كونه فاعلا لها، لأن المقدم على فعل القبيح إنما يقدم عليه إما لجهله بكونه قبيحا، وإما لاحتياجه، فإذا كان عالما بالكل امتنع كونه جاهلا بقبح القبائح. وإذا كان غنيا عن الكل امتنع كونه محتاجا إلى فعل القبائح، وذلك يدل على أنه تعالى منزه عن فعل القبائح متعال عنها، فحينئذ يقطع بأنه لا يظلم أحدا، فلما كلف عبيده الأفعال الشاقة وجب أن يثيبهم عليها، ولما رتب العقاب والعذاب على فعل المعاصي، وجب أن يكون عادلا فيها، فبهذا الطريق ثبت كونه تعالى عادلا في الكل.
فان قال قائل: هب أن بهذا الطريق انتفى الظلم عنه تعالى. فما الفائدة في التكليف؟
فالجواب: أن التكليف إحسان ورحمة على ما هو مقرر في كتب الكلام فقوله (وربك الغنى) إشارة إلى المقام الأول وقوله (ذو الرحمة) إشارة إلى المقام الثاني. فهذا تقرير الدلائل التي استنبطها طوائف العقلاء من هذه الآية على صحة قولهم.
وأعلم يا أخي أن الكل لا يحاولون إلا التقديس والتعظيم وسمعت الشيخ الامام الوالد ضياء الدين عمر بن الحسين رحمه الله قال: سمعت الشيخ أبا القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، يقول:
نظر أهل السنة على تعظيم الله في جانب القدرة ونفاذ المشيئة. ونظر المعتزلة على تعظيم الله في جانب العدل والبراءة عن فعل ما لا ينبغي فإذا تأملت علمت أن أحدا لم يصف الله إلا بالتعظيم والاجلال والتقديس والتنزيه، ولكن منهم أخطأ ومنهم من أصاب ورجاء الكل متعلق بهذه الكلمة وهى قوله (وربك الغنى ذو الرحمة) ثم قال تعالى (ان يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدم ما يشاء) والمعنى أنه تعالى لما وصف نفسه بأنه ذو الرحمة فقد كان يجوز أن يظن ظان أنه وان كان ذا الرحمة الا أن لرحمته معدنا مخصوصا وموضعا معينا فبين تعالى أنه قادر على وضع الرحمة في هذا الخلق وقادر على أن يخلق قوما آخرين ويضع رحمته فيهم وعلى هذا الوجه يكون الاستغناء عن العالمين أكمل وأتم والمقصود التنبيه على أن تخصيص الرحمة بهؤلاء ليس لأجل أنه لا يمكنه إظهار رحمته إلا يخلق هؤلاء أما قوله (إن يشأ يذهبكم) فالأقرب أن المراد به الاهلاك ويحتمل الأمانة أيضا ويحتمل أن لا يبلغهم مبلغ التكليف