على الله تعالى. قال: فإن فرعنا على قول البصريين، فلله تعالى أن يقول لذلك الصبي إني طولت عمر الأخ الزاهد، وكلفته على سبيل التفضل ولم يلزم من كوني متفضلا على أخيك الزاهد بهذا الفضل أن أكون متفضلا عليك بمثله. وأما إن فرعنا على قول البغداديين. فالجواب أن يقال: إن إطالة عمر أخيك وتوجيه التكليف عليه كان إحسانا في حقه، ولم يلزم منه عود مفسدة إلى الغير فلا جرم فعلته وأما إطالة عمرك وتوجيه التكليف عليك كان يلزم منه عود مفسدة إلى غيرك، فلهذا السبب ما فعلت ذلك في حقك فظهر الفرق. هذا تلخيص كلام أبي الحسين البصري سعيا منه في تخليص شيخه المتقدم عن سؤال الأشعري، بل سعيا منه في تخليص إلهه عن سؤال العبد، وأقول قبل الخوض في الجواب عن كلام أبي الحسين: صحة هذه المناظرة الدقيقة بين العبد وبين الله، إنما لزمت على قول المعتزلة. وأما على قول أصحابنا رحمهم الله فلا مناظرة البتة بين العبد وبين الرب، وليس للعبد أن يقول لربه، لم فعلت كذا؟ أو ما فعلت كذا. فثبت أن خصماء الله هم المعتزلة، لا أهل السنة ، وذلك يقوي غرضنا ويحصل مقصودنا، ثم نقول:
أما الجواب الأول: وهو أن إطالة العمر وتوجيه التكليف تفضل، فيجوز أن يخص به بعضا دون بعض. فنقول: هذا الكلام مدفوع، لأنه تعالى لما أوصل التفضل إلى أحدهما، فالامتناع من إيصاله إلى الثاني قبيح من الله تعالى، لأن الإيصال إلى هذا الثاني، ليس فعلا شاقا على الله تعالى، ولا يوجب دخول نقصان في ملكه بوجه من الوجوه، وهذا الثاني يحتاج إلى ذلك التفضل ومثل هذا الامتناع قبيح في الشاهد. ألا ترى أن من منع غيره من النظر في مرآته المنصوبة على الجدار لعامة الناس قبح ذلك منه، لأنه منع من النفع من غير اندفاع ضرر إليه، ولا وصول نفع إليه فإن كان حكم العقل بالتحسين والتقبيح مقبولا، فليكن مقبولا ههنا، وإن لم يكن مقبولا لم يكن مقبولا البتة في شيء من المواضع، وتبطل كلية مذهبكم. فثبت أن هذا الجواب فاسد.
وأما الجواب الثاني: فهو أيضا فاسد، وذلك لأن قولنا تكليفه يتضمن مفسدة ليس معناه أن هذا التكليف يوجب لذاته حصول تلك المفسدة، وإلا لزم أن تحصل هذه المفسدة أبدا في حق الكل وأنه باطل، بل معناه: أن الله تعالى علم أنه إذا كلف هذا الشخص، فإن إنسانا آخر يختار من قبل نفسه فعلا قبيحا، فإن اقتضى هذا القدر أن يترك الله تكليفه، فكذلك قد علم من ذلك الكافر أنه إذا كلفه فإنه يختار الكفر عند ذلك التكليف، فوجب أن يترك تكليفه، وذلك يوجب قبح تكليف من علم الله من حاله أنه يكفر، وإن لم يجب ههنا لم يجب هنالك، وأما القول بأنه يجب عليه تعالى ترك التكليف إذا علم أن غيره يختار فعلا قبيحا عند ذلك التكليف، ولا يجب عليه تركه