صمنا فلم يرفع صيامنا، وصلينا فلم تنور صلاتنا، وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا، ودعونا بمثل حنين الحمام، وبكينا بمثل عواء الذئب، في كل ذلك لا نسمع، ولا يستجاب لنا قال الله:
فسلهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم، ألست أسمع السامعين، وأبصر الناظرين، وأقرب المجيبين، وأرحم الراحمين؟ ألان ذات يدي قلت كيف ويداي مبسوطتان بالخير، أنفق كيف أشاء، ومفاتيح الخزائن عندي لا يفتحها ولا يغلقها غيري ألا وإن رحمتي وسعت كل شئ، إنما يتراحم المتراحمون بفضلها أو لان البخل يعتريني أو لست أكرم الأكرمين والفتاح بالخيرات، أجود من أعطى، وأكرم من سئل لو أن هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التي نورت في قلوبهم فنبذوها، واشتروا بها الدنيا، إذا لأبصروا من حيث أتوا، وإذا لأيقنوا أن أنفسهم هي أعدى العداة لهم، فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور، ويتقوون عليه بطعمة الحرام؟ وكيف أنور صلاتهم، وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني، وينتهك محارمي؟ أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم؟ وإنما أوجر عليها أهلها المغصوبين أم كيف أستجيب لهم دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد؟ وإنما أستجيب للداعي اللين، وإنما أسمع من قول المستضعف المسكين، وإن من علامة رضاي رضا المساكين فلو رحموا المساكين، وقربوا الضعفاء، وأنصفوا المظلوم، ونصروا المغصوب، وعدلوا للغائب، وأدوا إلى الأرملة واليتيم والمسكين، وكل ذي حق حقه، ثم لو كان ينبغي أن أكلم البشر إذا لكلمتهم، وإذا لكنت نور أبصارهم، وسمع آذانهم، ومعقول قلوبهم، وإذن لدعمت أركانهم، فكنت قوة أيديهم وأرجلهم، وإذا لثبت ألسنتهم وعقولهم. يقولون لما سمعوا كلامي، وبلغتهم رسالاتي بأنها أقاويل منقولة، وأحاديث متوارثة، وتآليف مما تؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، وأن يطلعوا على الغيب بما توحي إليهم الشياطين اطلعوا، وكلهم يستخفى بالذي يقول ويسر، وهم يعلمون أني أعلم غيب السماوات والأرض، وأعلم ما يبدون وما يكتمون وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض قضاء أثبته على نفسي، وجعلت دونه أجلا مؤجلا، لا بد أنه واقع، فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب، فليخبروك متى أنفذه، أو في أي زمان يكون، وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون، فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيت، فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وإن كانوا يقدرون على أن يقولوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، فإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الاجراء، وأن أحول الملك في الرعاء، والعز