في الأذلاء، والقوة في الضعفاء، والغنى في الفقراء، والثروة في الأقلاء، والمدائن في الفلوات، والآجام في المفاوز، والبردى في الغيطان، والعلم في الجهلة، والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا، ومن القائم بهذا، وعلى يد من أسنه، ومن أعوان هذه الامر وأنصاره إن كانوا يعلمون فإني باعث لذلك نبيا أميا، ليس أعمى من عميان، ولا ضالا من ضالين، وليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوال للخنا، أسدده لكل جميل، أهب له كل خلق كريم، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقوله، والصدق والوفاء طبيعته، والعفو والعرف خلقه والعدل والمعروف سيرته، والحق شريعته، والهدى إمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأرفع به بعد الخمالة، وأشهر به بعد النكرة، وأكثر به بعد القلة، وأغني به بعد العيلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأؤلف به قلوبا مختلفة، وأهواء مشتتة، وأمما متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، توحيدا لي، وإيمانا وإخلاصا بي، يصلون لقياما وقعودا، وركوعا وسجودا، يقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد، والتسبيح والحمد والمدحة، والتمجيد لي في مساجدهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون، ويقدسون على رؤوس الأسواق، ويطهرون لي الوجوه والأطراف، ويعقدون الثياب في الانصاف، قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، ذلك فضلي أوتيه من أشاء، وأنا ذو الفضل العظيم. فلما فرغ نبيهم شعياء إليهم من مقالته، عدوا عليه فيما بلغني ليقتلوه، فهرب منهم، فلقيته شجرة، فانفلقت فدخل فيها، وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها، وقطعوه في وسطها.
قال أبو جعفر: فعلى القول الذي ذكرنا عن ابن عباس من رواية السدي، وقول ابن زيد، كان إفساد بني إسرائيل في الأرض المرة الأولى قتلهم زكريا نبي الله، مع ما كان سلف منهم قبل ذلك وبعده، إلى أن بعث الله عليهم من أحل على يده بهم نقمته من معاصي الله، وعتوهم على ربهم. وأما على قول ابن إسحاق الذي روينا عنه، فكان إفسادهم المرة الأولى ما وصف من قتلهم شعياء بن أمصيا نبي الله. وذكر ابن إسحاق أن بعض أهل العلم أخبره أن زكريا مات موتا ولم يقتل، وأن المقتول إنما هو شعياء، وأن بختنصر هو الذي