والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الاخبار عن رسول الله (ص)، أن الله حمله على البراق حين أتاه به، وصلى هنالك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات ولا معنى لقول من قال: أسرى بروحه دون جسده، لان ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك، كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم، ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل؟
وبعد، فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لاحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره. فإن ظن ظان أن ذلك جائز، إذ كانت العرب تفعل ذلك في كلامها، كما قال قائلهم:
حسبت بغام راحلتي عناقا * وما هي ويب غيرك بالعناق يعني: حسبت بغام راحلتي صوت عناق، فحذف الصوت واكتفى منه بالعناق، فإن العرب تفعل ذلك فيما كان مفهوما مراد المتكلم منهم به من الكلام. فأما فيما لا دلالة عليه إلا بظهوره، ولا يوصل إلى معرفة مراد المتكلم إلا ببيانه، فإنها لا تحذف ذلك ولا دلالة تدل على أن مراد الله من قوله: أسرى بعبده أسرى بروح عبده، بل الأدلة الواضحة، والاخبار المتتابعة عن رسول الله (ص) أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق ولو كان الاسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجسام.
إلا أن يقول قائل: إن معنى قولنا: أسرى بروحه: رأى في المنام أنه أسرى بجسده على البراق، فيكذب حينئذ بمعنى الاخبار التي رويت عن رسول الله (ص)، أن جبرئيل حمله على البراق، لان ذلك إذا كان مناما على قول قائل هذا القول، ولم تكن الروح عنده مما تركب