ولن نقر بهذا الذي تدعونا إليه أبدا، ولكنا نعبد الله ربنا، له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا، إياه نعبد، وإياه نسأل النجاة والخير، فأما الطواغيت وعبادتها، فلن نقر بها أبدا، ولسنا بكائنين عبادا للشياطين، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عبادا لها، بعد إذ هدانا الله له رهبتك، أو فرقا من عبودتك، اصنع بنا ما بدا لك ثم قال أصحاب مكسلمينا لدقينوس مثل ما قال. قال: فلما قالوا ذلك له، أمر بهم فنزع عنهم لبوس كان عليهم من لبوس عظمائهم، ثم قال: أما إذ فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم أن تكونوا من أهل مملكتي وبطانتي، وأهل بلادي، وسأفرغ لكم، فأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلا أني أراكم فتيانا حديثة أسنانكم، ولا أحب أن أهلككم حتى أستأني بكم، وأنا جاعل لكم أجلا تذكرون فيه، وتراجعون عقولكم. ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة، فنزعت عنهم ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده. وانطلق دقينوس مكانه إلى مدينة سوى مدينتهم التي هم بها قريبا منها لبعض ما يريد من أمره.
فلما رأى الفتية دقينوس قد خرج من مدينتهم بادروا قدومه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكر بهم، فأتمروا بينهم أن يأخذ كل واحد منهم نفقة من بيت أبيه، فيتصدقوا منها، ويتزودوا بما بقي، ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له: بنجلوس فيمكثوا فيه، ويعبدوا الله حتى إذا رجع دقينوس أتوه فقاموا بين يديه، فيصنع بهم ما شاء فلما قال ذلك بعضهم لبعض، عمد كل فتى منهم، فأخذ من بيت أبيه نفقة، فتصدق منها، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم، واتبعهم كلب لهم، حتى أتوا ذلك الكهف الذي في ذلك الجبل، فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة ولا صيام والتسبيح والتكبير والتحميد، ابتغاء وجه الله تعالى، والحياة التي لا تنقطع، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له يمليخا، فكان على طعامهم، يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا من أهلها، وذلك أنه كان من أجملهم وأجلدهم، فكان يمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا، ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها، ثم يأخذ ورقه (1)، فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا، ويتسمع ويتجسس لهم الخبر، ويخبرهم بما سمع من أخبار الناس، فلبثوا بذلك ما لبثوا.