ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنه جل ثناؤه حكيم لا يضع شيئا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدا إلا بما يستحق من الجزاء.
وقد دللنا فيما مضى على أن معنى الظلم وضع الشئ في غير موضعه بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.
فإن قال قائل: فإن كان الامر كما ذكرت من أن معنى الحسنة في هذا الموضع الايمان بالله والاقرار بوحدانيته والتصديق برسوله، والسيئة فيه الشرك به والتكذيب لرسوله، فللايمان أمثال فيجازى بها المؤمن، وإن كان له مثل فكيف يجازي به، والايمان إنما هو عندك قول وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والانعام عليه بما أعد لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحس ويلتذ بها، لا قول يسمع ولا كسب جوارح؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه، وإنما معناه: من جاء بالحسنة فوافى الله بها له مطيعا، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها.
فإن قلت: فهل لقول لا إله إلا الله من الحسنات مثل؟ قيل: له مثل هو غيره، وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله، وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله، وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أن لا يجازي صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
11098 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: لما نزلت: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها قال رجل من القوم فإن لا إله إلا الله حسنة؟ قال: نعم، أفضل الحسنات.
11099 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: من جاء بالحسنة لا إله إلا الله.
11100 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، قال: ثنا الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله، قال: من جاء بالحسنة قال: من جاء بلا إله إلا الله، قال: ومن جاء بالسيئة قال: الشرك.