وقد بينا معنى القسط بشواهده فيما مضى وكرهنا إعادته.
وأما قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها فإنه يقول: لا نكلف نفسا من إيفاء الكيل والوزن إلا ما يسعها، فيحل لها، ولا تحرج فيه. وذلك أن الله جل ثناؤه علم من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجب عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقه الذي هو له ولم يكلفه الزيادة لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها، وأمر الذي له الحق بأخذ حقه ولم يكلفه الرضا بأقل منه، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه، فلم يكلف نفسا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: لا نكلف نفسا إلا وسعها.
وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
القول في تأويل قوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون.
يعني تعالى ذكره بقوله: وإذا قلتم فاعدلوا: وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم، فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه. وبعهد الله أوفوا يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا وإيفاء ذلك أن يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله (ص)، وذلك هو الوفاء بعهد الله.
وأما قوله: ذلكم وصاكم به يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا ووصاكم بها ربكم وأمركم بالعمل بها، لا بالبحائر والسوائب والوصائل والحام وقتل الأولاد ووأد البنات واتباع خطوات الشيطان. لعلكم تذكرون يقول:
أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقب أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقب أمركم وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها وترتدعوا وتنيبوا إلى طاعة ربكم. وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات هن الآيات المحكمات.