فكأن ابن عباس على هذه الرواية يرى أن أصحاب هذا الحيران الذين يدعونه إنما يدعونه إلى الضلال ويزعمون أن ذلك هدى، وأن الله أكذبهم بقوله: قل إن هدى الله هو الهدى لا ما يدعوه إليه أصحابه.
وهذا تأويل له وجه لو لم يكن الله سمى الذي دعا الحيران إليه أصحاب هدى، وكان الخبر بذلك عن أصحابه الدعاة له إلى ما دعوه إليه، أنهم هم الذين سموه، ولكن الله سماه هدى، وأخبر عن أصحاب الحيران أنهم يدعونه إليه. وغير جائز أن يسمي الله الضلال هدى لان ذلك كذب، وغير جائز وصف الله بالكذب لان ذلك وصفه بما ليس من صفته. وإنما كان يجوز توجيه ذلك إلى الصواب لو كان ذلك خبرا من الله عن الداعي الحيران أنهم قالوا له: تعال إلى الهدى فأما وهو قائل: يدعونه إلى الهدى، فغير جائز أن يكون ذلك وهم كانوا يدعونه إلى الضلال.
وأما قوله: ائتنا فإن معناه: يقولون: ائتنا هلم إلينا فحذف القول لدلالة الكلام عليه. وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ذلك: يدعونه إلى الهدى بينا.
10464 - حدثنا بذلك ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، قال: قراءة عبد الله: يدعونه إلى الهدى بينا.
10465 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: في قراءة ابن مسعود: له أصحاب يدعونه إلى الهدى بينا. قال: الهدى: الطريق، أنه بين.
وإذا قرئ ذلك كذلك، كان البين من صفة الهدى، ويكون نصب البين على القطع من الهدى، كأنه قيل: يدعونه إلى الهدى البين، ثم نصب البين لما حذفت الألف واللام، وصار نكرة من صفة المعرفة. وهذه القراءة التي ذكرناها عن ابن مسعود تؤيد قول من قال: الهدى في هذا الموضع: هو الهدى، على الحقيقة.
القول في تأويل قوله تعالى: قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان القائلين لأصحابك: اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم فإنا على هدى: ليس الامر كما زعمتم إن هدى الله هو الهدى يقول: إن طريق الله الذي بينه لنا وأوضحه وسبيلنا الذي أمرنا