إفناؤه ثم إعادته بعد إفنائه، فقال: وهو الذي خلق أيها العادلون بربهم من لا ينفع ولا يضر ولا يقدر على شئ، السماوات والأرض بالحق، حجة على خلقه، ليعرفوا بها صانعها وليستدلوا بها على عظيم قدرته وسلطانه، فيخلصوا له العبادة. ويوم يقول كن فيكون يقول: ويوم يقول حين تبدل الأرض غير الأرض والسماوات كذلك: كن فيكون، كما شاء تعالى ذكره، فتكون الأرض غير الأرض عند قوله كن، فيكون متناهيا. وإذا كان كذلك معناه وجب أن يكون في الكلام محذوف يدل عليه الظاهر، ويكون معنى الكلام:
ويوم يقول لذلك كن فيكون تبدل غير السماوات والأرض، ويدل على ذلك قوله: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ثم ابتدأ الخبر عن القول فقال: قوله الحق بمعنى: وعده هذا الذي وعد تعالى ذكره من تبديله السماوات والأرض غير الأرض والسماوات، الحق الذي لا شك فيه، وله الملك يوم ينفخ في الصور فيكون قوله: يوم ينفخ في الصور من صلة الملك، ويكون معنى الكلام: ولله الملك يومئذ لان النفخة الثانية في الصور حال تبديل الله السماوات والأرض وغيرهما. وجائز أن يكون القول، أعني قوله: الحق مرفوعا بقوله: ويوم يقول كن فيكون، ويكون قوله: كن فيكون محلا للقول مرافعا. فيكون تأويل الكلام: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق، ويوم يبدلها غير السماوات والأرض فيقول لذلك كن فيكون قوله الحق.
وأما قوله: وله الملك يوم ينفخ في الصور فإنه خص بالخبر عن ملكه يومئذ، وإن كان الملك له خالصا في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدعي له، وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة فأذعن جميعهم يومئذ له به، وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل.
واختلف في معنى الصور في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان:
إحداهما لفناء من كان حيا على الأرض، والثانية لنشر كل ميت. واعتلوا لقولهم ذلك بقوله: ونفخ في الصور فصعق ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وبالخبر الذي روى عن رسول الله (ص) أنه قال إذ سئل عن الصور: هو قرن ينفخ فيه. وقال آخرون: الصور في هذا الموضع: