ثم قال الدارمي:
قال أبو محمد - يعني نفسه - (معناه عندي الحديث عن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس السنن والفرائض). يريد الدارمي بذلك أن يخفف من منع الخليفة وأنه كان منعا عن التحديث بالأحداث السياسية والحروب في زمن النبي صلى الله عليه وآله ولم يشمل المنع عن بيان الفرائض وأحكام الإرث والمستحبات!
ولكن الدارمي بذلك يعترف بأن السبب السياسي هو السبب الأساسي للمنع، وأن عذر الخليفة بالانشغال بالحديث عن القرآن عذر ظاهري.
ورواه في سنن الدارمي ج 1 ص 85 عن قرظة... وقال في آخره (قال قرظة وإن كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لمن أحفظهم له فإذا ذكرت وصية عمر سكتت!).
ورواه الحاكم في مستدركه ج 1 ص 102 عن قرظة... وقال في آخره (فلما قدم قرظة قالوا حدثنا قال: نهانا ابن الخطاب! هذا حديث صحيح الإسناد له طرق تجمع ويذاكر بها. وقرظة بن كعب الأنصاري صحابي سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله. ومن شرطنا في الصحابة أن لا نطويهم. وأما سائر رواته فقد احتجا به).
يلاحظ على هذه الرواية الصحيحة عند إخواننا ما يلي:
أولا: أن المطلب الذي أراده الخليفة من هذه المجموعة من الصحابة المهاجرين إلى الكوفة، مطلب مهم عنده.. ولذا خرج إلى توديعهم مسافة طويلة، ولم يكن من عادته الخروج إلى توديع أحد.
ثانيا: أنه كان مطلبا صعب القبول على الصحابة لأنه يخالف المعقول الذي فهموه من النبي صلى الله عليه وآله وعملوا به. بل يفهم من قوله (وأنا شريككم) أنهم كانوا يرون أن عدم التحديث عن النبي إثم، لأنه ترك لتبليغ الدين وكتمان لما سمعوه من النبي ومخالفة لتأكيداته صلى الله عليه وآله بأن يبلغ الشاهد منهم الغائب! فطمأنهم الخليفة بأنه لا إثم في ذلك وإن يكن فيه إثم فهو شريكهم، ويتحمل مسؤوليته!
ثالثا: أن حديث الخليفة معهم كان أكثر من العبارة المنقولة وتأكيداته كانت أشد، بدليل قول الراوي (فما حدثت بشئ وقد سمعت كما سمع أصحابي... قال قرظة وإن كنت لأجلس في القوم فيذكرون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لمن أحفظهم له، فإذا ذكرت وصية عمر سكتت.. فلما قدم قرظة قالوا حدثنا قال نهانا ابن الخطاب!).
فالمسألة ليست طلبا أخويا، بل هي نهي مشدد مؤكد، وقد يكون معه تهديد أيضا!