يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا.
وهنا قد يثار هذا السؤال، وهو: إن كلام ذلك الرجل المغرور المتكبر الذي مر ذكره في الآيات الآنفة، لم يصرح فيه بإنكار الحق جل وعلا، في حين أن جواب الإنسان المؤمن ركز فيه أولا على إنكاره للخالق!؟ لذلك فإنه وجه نظره أولا إلى قضية خلق الإنسان التي هي من أبرز أدلة التوحيد والتوجه نحو الخالق العالم القادر. الله الذي خلق الإنسان من تراب، حيث امتصت جذور الأشجار المواد الغذائية الموجودة في الأرض، والأشجار بدورها أصبحت طعاما للحيوانات، والإنسان استفاد من هذا النبات ولحم الحيوان، وانعقدت نطفته من هذه المواد، ثم سلكت النطفة طريق التكامل في رحم الأم حتى تحولت إلى إنسان كامل، الإنسان الذي هو أفضل من جميع موجودات الأرض، فهو يفكر ويصمم ويسخر كل شئ لأجله.
نعم، إن هذا التراب عديم الأهمية يتحول إلى هذا الموجود العجيب، مع هذه الأجهزة المعقدة الموجودة في جسم الإنسان وروحه، وهذا من الدلائل العظيمة على التوحيد.
وفي الجواب على السؤال المثار ذكر المفسرون تفاسير متعددة نجملها فيما يلي:
1 - قالت مجموعة منهم: بما أن هذا الرجل المغرور أنكر بصراحة المعاد والبعث أو شكك فيه، فإنه يلزم من ذلك إنكار الخالق، لأن منكر المعاد الجسماني ينكر في الواقع قدرة الله، ولا يصدق بأن هذا التراب المتلاشي سوف تعود له الحياة مرة أخرى، لذا فإن الرجل المؤمن مع ذكره للخلق الأول من تراب، ثم من نطفة، ثم بإشارته للمراحل الأخرى - أراد أن يلفت نظره إلى القدرة غير المتناهية للخالق حتى يعلم بأن قضية المعاد يمكن مشاهدتها هنا وتمثلها بأعيننا في واقع هذه الأرض.