يعتبر كل واحد منهم نموذجا لإحدى المجموعتين، ويوضحان طريقة تفكير وقول وعمل هاتين المجموعتين.
في البداية تخاطب الآيات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا.
البستان والمزرعة كان فيهما كل شئ: العنب والتمر والحنطة وباقي الحبوب، لقد كانت مزرعة كاملة ومكفية من كل شئ: كلتا الجنتين أتت أكلها ولم تظلم منه شيئا.
والأهم من ذلك هو توفر الماء الذي يعتبر سر الحياة، وأمرا مهما لا غنى للبستان والمزرعة عنه، وقد كان الماء بقدر كاف: وفجرنا خلالهما نهرا.
على هذا الأساس كانت لصاحب البستان كل أنواع الثمار: وكان له ثمر.
ولأن الدنيا قد استهوته فقد أصيب بالغرور لضعف شخصيته ورأي أن الإحساس العميق بالأفضلية والتعالي على الآخرين، حيث التفت وهو بهذه الحالة إلى صاحبه: فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا.
بناءا على هذا فأنا أملك قوة إنسانية كبيرة وعندي مال وثروة، وأنا أملك - أيضا - نفوذا وموقعا اجتماعيا، أما أنت (والخطاب لصاحبه) فماذا تستطيع أن تقول، وهل لديك ما تتكلم عنه؟!
لقد تضخم هذا الإحساس ونما تدريجيا - كما هو حاله - ووصل صاحب البستان إلى حالة بدأ يظن معها أن هذه الثروة والمال والجاه والنفوذ إنما هي أمور أبدية، فدخل بغرور إلى بستانه (في حين أنه لا يعلم بأنه يظلم نفسه) ونظر إلى أشجاره الخضراء التي كادت أغصانها أن تنحني من شدة ثقل الثمر، وسمع صوت الماء الذي يجري في النهر القريب من البستان والذي كان يسقي أشجاره، وبغفلة قال: لا أظن أن يفنى هذا البستان، وبلسان الآية وتصوير القرآن الكريم:
ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا.