أما الجواب عن الأولى والثانية، فهو أن الدراوردي وشيخه ثقتان فلا يضر تفردهما بالحديث، كما لا يخفى.
وأما الثالثة فليست بعلة إلا عند البخاري بناء على أصله المعروف وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين، بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء مع أمن التدليس كما هو مذكور في (المصطلح) وشرحه الإمام مسلم في مقدمة صحيحه. وهذا متوفر هنا فإن محمد بن عبد الله لم يعرف بتدليس ثم هو قد عاصر أبا الزناد وأدركه زمانا طويلا، فإنه مات سنة (145) وله من العمر (53)، وشيخه أبو الزناد مات سنة (135) فالحديث صحيح لا ريب فيه.
على أن الدراوردي لم يتفرد به، بل توبع عليه في الجملة، فقد أخرجه أبو داود (841) والنسائي والترمذي أيضا (2 / 57 - 58) من طريق عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرا بلفظ: (يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل؟!) فهذه متابعة قوية، فإن ابن نافع ثقة أيضا من رجال مسلم كالدراوردي.
(تنبيه): وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (1 / 102 / 2) والطحاوي والبيهقي من طريق عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: (إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل).
فهو حديث باطل تفرد به عبد الله وهو ابن سعيد المقبري وهو واه جدا بل اتهمه بعضهم بالكذب، ولذلك قال البيهقي وتبعه الحافظ (الفتح) (2 / 241) (إسناده ضعيف). وأحسن الظن بهذا المتهم أنه أراد أن يقول: (فليبدأ بيديه قبل ركبتيه) كما في الحديث الصحيح، فانقلب عليه فقال: (بركبتيه قبل يديه).
ومما يدل على ذلك قوله في الحديث ولا يبرك بروك الفحل) فإن الفحل - وهو الجمل - إذا برك فأول ما يقع منه على الأرض ركبتاه اللتان في يديه كما هو مشاهد، وإن غفل عنه كثيرون فالنهي عن بروك كبروكه يقتضي أن لا يخر على ركبتيه،