بعض السلف انه كان يروى الحديث على المعنى إذا علم المعنى وتحققه وعرف القائم من اللفظ مقام غيره وقال جمهور الفقهاء يجوز للعالم بمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ رواية الحديث على المعنى وليس بين أهل العلم خلاف في أن ذلك لا يجوز للجاهل بمعنى الكلام وموقع الخطاب والمحتمل منه وغير المحتمل وقال قوم من أهل العلم الواجب على المحدث ان يروى على اللفظ إذا كان لفظ ينوب مناب معناه غامضا محتملا فاما إذا لم يكن كذلك بل كان معناه ظاهرا معلوما وللراوي لفظ ينوب مناب لفظ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير زائد عليه ولا ناقص منه ولا محتمل لأكثر من معنى لفظه صلى الله عليه وسلم جاز للراوي روايته على المعنى وذلك يجوز نحو أن يبدل قوله قام بنهض وقال بتكلم وجلس بقعد وعرف بعلم واستطاع بقدر وأراد بقصد وأوجب بفرض وحظر بحرم ومثل هذا مما يطول تتبعه وهذا القول هو الذي نختاره مع شرط آخر وهو أن يكون سامع لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عالما بموضوع ذلك اللفظ في اللسان وبأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يريد به ما هو موضوع له فان علم يجوزه به واستعارته له لم يسغ له ان يروى اللفظ مجردا دون ذكره ما عرفه من قصده صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة غير مستدل عليه فإنه ان استدل به على أنه قصد به معنى من المعاني جاز عليه الغلط والتقصير في الاستدلال ووجب نقله له بلفظ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لينظر هو وغيره من العلماء فيه فأما الدليل على أنه ليس ذلك للجاهل بمواقع الخطاب وبالمتفق معناه والمختلف من الألفاظ فهو أنه لا يؤمن عليه ابدال اللفظ بخلافه بل هو الغالب من امره وأما الدليل على أنه لا يجوز للعالم أيضا رواية المحتمل من اللفظ على المعنى فهو أنه إنما يرويه على معنى يستخرجه يستدل عليه وقد يتوهم ويغلط وقد يصيب ونحن غير مأمورين بتقليده وان أصاب فيجب لذلك روايته إياه على اللفظ ليجتهد العلماء في القول بمعناه اللهم الا ان يقول الناقل العدل انى قد علمت ضرورة قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمحتمل من كلامه إلى كذا وكذا وانه
(٢٣٣)