أن يدفن إذا مات عند بشر الحافي فحصلت الثلاثة، وكان يتميز بدقة أخذه وتحمله، وفقده للمرويات، وكشفه لما هو مزور منها، حكي أن بعض اليهود أظهر كتاب، وادعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة رضي الله عنهم. وذكر أن خط علي فيه، فعرض على الخطيب فتأمله وقال: هذا مزر، لان فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح، وخيبر فتحت قبل ذلك، ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات في بني قريظة بسهم أصحابه في أكحله يوم الخندق وذلك قبل فتح خيبر بسنتين.
وتوفى الخطيب في السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ببغداد، ودفن بباب حرب إلى جانب بشر بن الحرث (1).
وذكر محب الدين بن البخار في تاريخ بغداد أن أبا البركات إسماعيل بن أبي سعد الصوفي قال: إن الشيخ أبا بكر بن زهراء الصوفي كان قد أعد لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي رحمه الله تعالى، وكان يمضي إليه في كل أسبوع مرة وينام فيه ويقرأ فيه القرآن كله، فلما مات أبو بكر الخطيب وكان قد أوصى أن يدفن إلى جانب قبر بشر، فجاء أصحاب الحديث إلى أبي بكر بن زهراء، وسألوه أن يدفن الخطيب في القبر الذي كان قد أعده لنفسه وأن يؤثره به: فامتنع من ذلك امتناعا شديدا وقال: موضع قد أعددته لنفسي منذ سنين يؤخذ مني؟ فلما رأوا ذلك جاءوا إلى والدي الشيخ أبي سعيد وذكروا له ذلك، فأخضر الشيخ أبا بكر بن زهراء وقال له: أنا لا أقول لك أعطهم القبر، ولكن أقول لك لو أن بشر الحافي في الاحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب يعقد دونك أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: فطاب قلب الشيخ أبي بكر، وأذن لهم في دفنه، فدفنوه إلى جانبه بباب حرب، وكان قد تصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار، فرقها على أرباب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه (2).